الجوهر الفاخر في ترجمة السيد الشريف الشيخ انتالا أق الطاهر

الجوهر الفاخر في سيرة السيد الشريف الشيخ انتالا أق الطاهر

المقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الجليل المنن البر الكريم، المحمود بكل لسان: سبحانه وهو الخلاق العليم.
فله الحمد والشكر على جزيل نعمه العظيم الآلاء، فله الحمد والثناء الحسن عدد ما لا يحيط به عد ولا الإحصاء.
المتعبد له سبحانه ـ دون من سواه ـ بالاستعانة والاستعاذة والشفاعة والتوسل، والذبح والنذر والاستغاثة والنداء والدعاء وما أتت به شريعته الكاملة على لسان الرسل.
فصلوات الله وسلامه عليهم وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة وأتم السلام، أحمد المبعوث إلى الثقلين بالدين القيم ـ رسالة الإسلام.
فهدى به الله من وفقه بفضله، وأضل من خذله بعدله ـ سبحان من: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وأعذر إلى الناس على ما أتى به المرسلون، المختتمون بمن نزل عليه الذكر الحكيم العظيم الآيات ـ آية آية: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين الطيبين، وصحابته الهداة البررة الميامين، ومن تبعهم من السلف الصالح،ودعا إلى نهجهم القويم ـ دعوة الداعي المتبع العليم التقي الأمين الناصح.

التمهيد

هذا ولما كان التاريخ أعظم وسيلة بشرية وأجلها لتخليد ما لها من الذكر الجليل، والأثر الأثير الجميل...
هرع إلى تسجيل مآثر من بر به فردا كان أو أمة في ديوان التاريخ من قبل أرباب الأقلام البارة بالأصول والفروع في معرض تخليد آثار أممهم عموما، وخصوصا ما يتعلق بتاريخ أمجاد أعلامها من آباء وأجداد، سادات السلاطين، أو سادات علماء الدين، فمن دونهما من أصحاب هاتين السيادتين الجليتين، بل ومما يهتم به بررة كتاب التاريخ تخليد أثر كل ذي دور مهم في عصر كل أمة من الحرفيين ـ أصحاب المهن الصناعية، وغيرهم من أرباب الخدمات الحميدة جيلا جيلا...
ومع ذلك فإن صحراء: أسياد الصحراء ـ مضارب الطوارق، ممن ابتلي بلاء مبينا بالفقر التام من ذلك كله قديما وحديثا، وهذه الطامة الكبرى هي الغالب على تاريخ محيط: صحراء: أسياد الصحراء ـ مضارب الطوارق.
هذا الواقع المر، هو الغالب: والحكم على الغالب.
فلذا تجد كل جيل تموت مآثره بموته، فيعفو الدهر عن أهم أخباره، فضلا عن تفاصيلها المهمة الجليلة الجميلة...
فأصبح الجميع ـ إلا من رحم الله ـ بجهالة شبه تامة بتاريخهم الذي هو كالصندوق المقفل على كنز من كنوز مجدهم الشامخ...
هذا وكل كنز ممكن العثور عليه وعلى مجوهراته، بوسيلة أو بأخرى، إلا كنز التاريخ إذا عفا الدهر عنه دون تدوين، فتلك ضالة عظيمة لا سيبل إلى الوقوف عليها، بعد انقطاع الوحي من السماء...
وعلى كل حال فإنه مما مضى وفات كثير من الخلف تاريخ ذلك السلف، في حقب من الأزمنة تتمتع به صحراء: أسياد الصحراء ـ مضارب الطوارق بالتاريخ الزاخر بمآثر المفاخر.
وكل ذلك ابتلي به خلفهم لعدم تخليد غرر دررهم الباهرة الجواهر، في دواوين كأي أمة من الأمم، التي ما زال آخرها يتلو ما يشاء من الذكر التاريخي الجميل لسلفه...
إلا هذا الشعب العظيم المفاخر عصرا عصرا، حرمه كتابه الأعلام في كل فن على مر العصور من تدوين شيء من ذلك، وكل ذلك جرى بمشيئة الله النافذة ـ سبحانه جل في علاه ـ فرحم الله ذلك السلف الذي بر بنفائس المفاخر في حياتهم، وإن لم تصلنا، إلا أن ما يدرك منه يضرب به المثل عما لم يدرك، بقول الأعرابي: البعرة تدل على البعير.

قلت: إن نتيجة فقدان الجل العظيم من تاريخ: صحراء: أسياد الصحراء. هو الذي جعل كل من يريد أن يذكر شيئا من تاريخ: صحراء: أسياد الصحراء.
مما لا بد منه في معرض تلك الآثار الجميلة العظام، يجد نفسه بين أمرين مرين:
*- أحد المرين: أن يسكت ويلزم الصمت عن ذلك التاريخ، وهذا المر، هو واقع حال هذا الجيل بصفة مفرطة...
* - ثاني المرين: أن يشير إلى شيء من تلك المآثر بلا برهان، كأثارة من علم.
وذلك لعدم امتلاكه نصوصا تاريخية كافية في القديم والحديث تدعم ما يقول به فيدلي بدلوه فيما لديه.
منتهجا فلسفة قول من قال: الجود من الموجود.
وهو مثل منصور نقلا وعقلا، فتجاهله بتعاليل غالبها واهية، هو في الحقيقة ولوج بيت أوهى من بيت العنكبوت ليتقي به حر العار: عار عليك إذا فعلت عظيم...
وهو أيضا باب سهل من أبواب طرح المسؤولية بالكلية عنهم، وهي منوطة على أكتافهم شاء من شاء، وأبى من أبى...
وهذا هو الحنظل عند شريحة كبيرة من هذا الجيل، فابتعد عن إنائه، مستسيغا مر السكوت والصمت جملة وتفصيلا: وهذا هو البلاء المبين في حق تاريخ: صحراء: أسياد الصحراء. لدى الأجيال الآتية ـ حسب تعاقبها.
وهو جناية عظيمة ومنكر تاريخي نكير، جهله الجاهلون، أو تجاهله المتجاهلون ـ نعوذ بالله من هذا وهذا ومن كل مثل سوء.
قلت: وليس من يتعذر بالعذرين السابقين كمن ليس له عذر بالمرة، ممن تحكي حالته الضعيقة أنه: لا يعنيه تاريخ صحراء أسياد الصحراء، وأنه عنصر فريد النوع، له الشخصية الذاتية المقدسة، لا يتجاوزها ـ قدر أنملة ـ في معرض التعريف بها في كتابة التاريخ...
بحيث ينقسم أرباب هذا الاتجاه الخاطئ إلى قسمين:
قسم إن كتب التاريخ كتب تاريخ نفسه فقط من حق وباطل، بحيث هو يكون الكيان الوحيد ما بين أئمة ورعية في صحراء أسياد الصحراء، ثم يقوم بنشر جهرا نهارا.
وقسم آخر شر من هذا إن كتب أخفى ما في قراطيسه إلى حين خروج مهدي تاريخه المنتظر من باطل وحق، ولو بعد حين من الدهر الذي يملك أهله ـ لو تمكنوا من اطلاع ما في تلك القراطس في عصرهم ـ من معرفة الصحيح من باطلها، ثم بيان باطله لينكشف سوء عورة ذلك التاريخ، المبالغ في إخفائه...
وهذا الصنف بقسميه الآثمين اجتماعيا...لا يجنى منه ومن وراءه إلا فتن اجتماعية ضالة مضلة.
وذلك لأن الباطل والجور في أي عصر ظهرا، يقابلا بالرفض عند المعيين...
أضف إلى ذلك ما يتولد على ذلك التاريخ متى ما ظهر من التفريق العرقي القبلي الشعبي بين أبناء المنطقة عموما وخصوصا ـ فاحذروهم...
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله.
وهنا نتخلص إلى خلاصة جهالة هذا الخلف لتاريخ سلفه لعدم تدوينه، أن هناك من فضلاء الكتاب في فن التاريخ من غير أبناء شعب: صحراء: أسياد الصحراء.
إذا أراد أن يبر بتاريخ سلفنا فما ذا عسى أن يقوله، لو أراد أن يقول عنهم خيرا...
فإنه سيتصادم بجملة من الحقائق المرة، التي منهم من تناولها بقوله:
*- إن المكتبة العربية فقيرة في مادة تاريخ شعب الطوارق، وتأكيدا لذلك: أذكر أنني التقيت في الدار البيضاء صدفة بالأستاذ سامي كليب الصحفي، المقتدر صاحب برنامج(زيارة خاصة) سابقا، الذي يحاور فيه شخصيات بارزة في المجال السياسي والثقافي والفني، وتبثه شاشة الجزيرة.
وقال لي سامي: أنه بحث في جل مكتبات الدار البيضاء عن مؤلف يتعلق بشعب الطوارق، فلم يجده.
قاله الأستاذ المؤرخ محمد العلمي الوالي ـ جزاه الله عن هذه اللفتة التاريخية البارة ـ في حق شعب صحراء: أسياد الصحراء ـ كل خير في الدارين.
مصدر النقل السابق: الطوارق ـ الشعب والقضية تاريخا منسيا ـ وحضورا مقهورا ومستقبلا مجهولا. ص159
طبعة: دار أبي قراقا للطباعة والنشر.
* - شرعت في إعداد مسودات هذا البحث عن الطوارق في السنوات الأخيرة، عن عملي كسفير لبلدي(جمهورية العراق) لدى جمهورية مالي...
مدفوعا بعوامل عدة، قد يكون من أهمها:
محدودية المعرفة بالطوارق ـ كشعب وقضية ـ لدى العديد من شعوب العالم، وبالأخص لدى أبناء المشرق العربي، وقلة المصادر عنهم ـ إن لم تكن ندرتها ـ القديمة والحديثة في مكتبات مشرقنا العربي...
قاله الأستاذ المؤرخ السفير همام هاشم الألوسي ـ جزاه الله عن هذه اللفتة التاريخية البارة ـ في حق شعب صحراء: أسياد الصحراء ـ كل خير في الدارين.
مصدر هذا النقل: المصدر السابق: ص13.

الديباجة

إن ما يكتب عن هذا الشعب المسلم الجليل المفاخر من الأباطيل الشيء الكثير...
ولقد ابتلي هذا الشعب بكثير من إغفال الكتاب تدوين تاريخه العظيم المناقب قديما وحديثا...
وقد تقدمت الإشارة إليه سابقا، وسواء كان ذلك الإغفال وقع من قبل أبنائه من أهل العلم، أو من قبل من سواهم من علماء الأفاق، المعتنين بفن كتابة التاريخ...
إذ الحقيقة المرة أن أصبح هذا الشعب فريسة لكل حيوان مؤذ من البشر، على حقيقة معنى المثل: إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب.
هذا مثل وقع بالفعل على شعب: صحراء: أسياد الصحراء، ما جعل بعضهم يعتدي على جاره كأول واجب فرض عليه تاريخه تجاه غيره، إذا كتب شيئا من تاريخه هو...
ومن الأمثلة الحية الشيء الكثير،ومنها في أرض الواقع ما تناوله كتاب الدكتور عبد الله الأنصاري ـ الانتصري: تاريخ بني إنفا...
الذي يصف فيه الكاتب جيرانه عموما بتجاوزات في معرض الحقائق التاريخية، وبصفة خاصة جيرانه من السوقيين، الذين هم في الحقيقة من سادات المنطقة علما وديانة وفضلا...
وشهد لهم القاصي والداني لهم ممن له معرفة بهم، كيف لا وهم المرجعية الدينية لعامة مجتمعات أفقهم...
ومع ذلك فقد رماهم ذلكم الدكتور بأوصاف ذميمة نقلا وعقلا، من السحر والشعوذة، والتحايل على عوام المجتمع في أفقهم ـ عدوانا وظلما...
فهذا إذا وقع من كاتب مسلم جار، بل هناك جانب القرابة بين قبائله، وبين قبائل السوقيين...
علما أن قرابة الدين الإسلامي فوق كل قرابة، وكذلك التقيد بتعاليمه خاصة جانب العدل والإنصاف، اللذين هما ميزان قول كل قائل أو كاتب عليم أمين.
هذا ولقد تناول ذلك بكل جراءة في معرض الكتابة، ثم قام بنشره في زمن كاد أن لا يخفى فيه شيء لكثرة وسائل النشر، قبل وسائل النقل الشفوي...
فإذا كان هذا وقع من بعض كتاب تاريخ المنطقة، ومن القرابة أيضا، فما البال بكتابات الأجانب عن هذا الشعب المجني عليه في السر والعلن...
والحق يقال أنه إن لم يتنبه ويتصد بررة الكتاب في أفقنا لمثل ذلك، فإنه سيصبح باطل أباطل ما يكتب عليهم وعلى أفقهم حقائق تاريخية ثابتة مستقبلا...
لذا فمما وقع من قبل كثير من أعداء الكتابة التاريخية خاصة في حق هذا الشعب الأصيل الأبي، ما يلي ـ بإذن الله تعالى:
* - قال محمد العلمي الوالي في ثنائه الجميل عن كتاب: الطوارق ـ الشعب والقضية تاريخا منسيا ـ وحضورا مقهورا ومستقبلا مجهولا ـ للأستاذ المؤخر السفير همام هاشم الألوسي العراقي.
فقال الأستاذ ذو القلم البار بتاريخ افقنا محمد العلمي الوالي، في ثنائه على المصدر السابق كما في قوله عن مضمون مادة الكتاب: وهو محاولة جادة لكسر وتفكيك الدسائس التي خيمت على ما كتبه بعض الأجانب الفرنسيين من تزوير للرواية التاريخية الحقيقية لشعب الطوارق تاريخيا وسياسيا واجتماعيا.
المصدر نفسه ص7-8.
* - يقول الأستاذ المؤخر همام هاشم الألوسي:
وقد طبع الكثير مما كتب بطابع التشويه والتحريف والتزييف الواضح لوقائعه، والإخفاء المقصود لبعض حقائقه.
المصدر نفسه ص14
قلت: وتلك المعلومات التي تكتب عن هذا الشعب، كتبها عنهم غير الغربيين أيضا، ونقلها النقال على أنها حقائق، وهي عار عظيم على من ينقل من غير تحقيق، كما أنها عار ولإثم مبين إن نشرت كحقائق، فضلا أنها جاءت مفتريات على سادات: صحراء أسياد الصحراء ـ مضارب الطوارق.
والعار كل العار في معرض العرف التاريخي على أهل القلم من كل شعب، عموما وخصوصا أقلام أفقنا أن يسكت أربابها عن مثل تلك الافتراءات في حق شعبهم...
كما أن العار كل العار أيضا، أن يدعي المدعي منهم جهله بها، وإن العار كل العار إن جهل ذلك، أن يجهل ما عليه من دور القيام بكتابة ما يجب عليه تاريخيا أن يعلمه عنهم من فضل...
فيدونه لهم كواجب عرفي عليه، وجزاء الوفاء لما قام به سلف وخلف هذا الشعب من مآثر عظام...
مما يفتخر به كل جيل، خاصة الجيل المسلم، من خصال حميدة دعا إليها ديننا الحنيف، من سيادة في مجتمع إسلامي، وعلم، وأنواع من البر العظيم...

التذييل

هذا وإن الأمم الباقية تاريخها العطر تسعد تلك الأمم على مر العصور، بنجباء لم يزل رجالاتها الذكور، قديما وحديثا في اهتمام عظيم بمآثر أعيانها، وأيام مشاهير رجالاتها، بل ومن دونهم، مذوي الفضل...
فتدون في دواوين تجمع ما تشتت من شمائلها ومناقبها المآثر الحسان.
بل بلغ بهم فقه فوائد تدوين التاريخ مبلغ جمع ما دق من الآثار، مما يتعلق بمحامد الأعيان غير المسلمين في دواوينهم، فضلا جانب أعيان أهل الإسلام، أهل المقامات الحميدة الجليلة الكبار.
يقول الإمام المؤرخ السخاوي: فهذا كتاب من أهم ما به يعتنى جمعت فيه من علمته من أهل هذا القرن...
من سائر العلماء والقضاة، والصلحاء، والرواة، والأدباء، والشعراء، والخلفاء، والملوك، والأمراء، والمباشرين، والوزراء...
بل وذكرت فيه بعض المذكورين بفضل، من أهل الذمة...
الضوء اللامع لأهل القرن التاسع1/5.
ط: مكتبة القدسي.
قلت: إن هذا من نماذج عدل كتاب التاريخ من المسلمين، وحبهم لنشر الفضيلة، ولو كانت لأعداء الدين...
هذا أمر، والأمر الآخر:
إن كتابة تاريخ كل ذي تاريخ، لا يخلو من أحد هذه الوجوه الآتية ـ بإذن الله تعالى ـ :
· إما أن يكون تاريخه منقولا، يتناقل حتى يدون بعد موت المذكور بذلك التاريخ.
· وإما أن يكون تاريخه منقولا نقلا يدون في حياة المذكور بذلك التاريخ.
· وإما أن يكون من يدونه هو المذكور بذلك التاريخ.
قلت: إن الوجهين الأولين هما اشتملت عليه عامة المصنفات التاريخية.
وبالبرهنة على كون ذلك من النهج المعمول به، نسوق قول الإمام السخاوي. فهذا كتاب من أهم ما به يعتنى جمعت فيه من علمته من أهل هذا القرن...
من سائر العلماء والقضاة، والصلحاء، والرواة...
مستوفيا من كان في معجم شيخنا...
وسائر ما ضبطته ممن أخذ عن شيخنا أو عني، أو أخذت عنه، ولم لم يكن من أهل الاعتنا...
وألحقت في أثنائه كثيرا من الموجودين، رجاء انتفاع من لعله يسأل عنهم، من المستفيدين.
مع غلبة الظن الغنى عن التوجيه، ببقاء من شاء الله منهم إلى القرن الذي يليه.
الضوء اللامع لأهل القرن التاسع1/5.
ط: مكتبة القدسي.
وإما الوجه الثالث والأخير: وهو ترجمة المرء لنفسه بأفصح العبارات، وهو وجه معمول به قديما وحديثا، من ذلك ما:
ذكر الشيخ بكر أبو زيد في كتابه: ((النظائر)، في قسم التراجم الذاتية: مائة و ستة وعشرين ترجمة ذاتية لبعض العلماء، منهم: المزي، والذهبي، وابن خلدون، وابن حجر، والسخاوي، ومن المعاصرين، محمد بهجت البيطار، وعبد العزيز بن باز.
ومما يذكر في هذا الباب قول الشاعر:
إذا رأيت أناسا ترجموا رجلا***بما رأوا فيه تقديرا وتنويها
فإن نفسي حقي أن أترجمها***إذ صاحب الدار أدرى بالذي فيها.
المصدر: الشيخ العلامة عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل.
1/19. اعتناء بجمعه وإخراجه أبو عبد الله بلال الجزائري.
عند تعليقه على قول المترجم له: وبعد فقد طلب مني أولادي ـ أصلحهم الله ـ أن أكتب لهم سيرتي الذاتية...
فمن هنا نخرج بأن من لم يكن مطلعا على نهج أهل فن التاريخ، قد يشكل عليه ترجمة الأحياء، هذا أمر.
والأمر الآخر: فإن كان ممن له علم بذلك، وكان من أهل ظن السوء بمن يقوم بذلك، فذلك لا يعنيه ما مر من سنن المؤرخين فيما نحن بصدده.
وإنما يهمني إفادة من لا علم بذلك، لا سيما من أهل أفقنا ـ صحراء أسياد الصحراء: مضارب الطوارق ـ لعله إن كان من أهل القلم البار بأمته أن ينهج نهج أولئك، متبركا بقولا بقوله تعالى:{ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}

التوطئة

هذا ولقد درج نصيع علماء التاريخ من ذكور رجال الأمم، أن يحيوا أممهم وهم موتى، لتخليدها في سجل التاريخ، منهم من يعم تاريخ أهل عصره من مشرق الأرض ومغربه، كما نهجه صاحب: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، وأضرابه.
ومنهم من يخص أهل بلده كابن عساكر في تاريخ دمشق، وأضرابه...
قوم بروا بتاريخ أممهم، ما جعلهم يتناولون ذكر من دون المشاهير من الأعيان، فضلا عن المشاهير كما نستفتح بنموذج من ذلكم الصنيع المبرور به أهله، على سبيل المثال لا الحصر.
قال عبد الكريم القزويني عن تاريخ قزوين : إني معتزم قديما وحديثا أن أجمع في أخبارها وأخبار ساكنيها...وهذا الكتاب إن يسر الله تعالى وفي بذكر المشهورين والخاملين من الأولين والآخرين من أرباب العلوم، وطالبيها، وأصحاب المقامات المرضية، وسالكيها من الذين نشئوا بقزوين، ونواحيها، أو سكنوها، أو طرقوها، أذكرهم وأورد أحوالهم فيه.
المصدر: التدوين في أخبار قزوين1/3.
ط: مكتبة الرشد.
وعلى مثل عزم الذين يصبح عزمهم أمرا واقعا وأثرا جليا نافعا، يتاسبق إلى مثله في كل عصر المتسابقون، ممن يخلدون تاريخ أممهم...
ولصعوبة ذلك ميدانيا في أرض الواقع يتعلل المتعللون، فوضعوا حججا واهية، من أوهاها بل وأوهنها بيتا يتناولون فيه الكئوس المترعة من الورع في تهويل تدوين التاريخ، خاصة تاريخ المعاصرين، فرارا من خشية الثناء عليهم!!!
وكل من لم ير نفسه أهلا أن يصنع من العدم شيئا تنتفع به أمته في الحال والمآل، يكون ذلك سبيله ـ سبيل الرشد!!!
مع أن هذا التورع لو تتبعته على التحقق فيه لوجدت كثيرا منه ـ إلا من رحمه الله ـ كمن يتورع من دم البعوضة وهو متلطخ بدم ريحانة النبي ـ صلى الله عليه وسلم.
هذا وإن فن التاريخ من ولجه ولوج التنظير، دون أن يكون ممن له اطلاع في قواعد أربابه، فضلا عن مطالعة مصنفاتهم في القديم والحديث، لعله أن تبلغ به النهاية القصوى في نظرية التعليل في معرض الإحجام أن يتعلل بعلل ليست من علل الدار قطني.
وذلك لعدم معرفته بأهم مناهج وفقه فن التاريخ المتبعة ليثني ويذم على بصيرة وحق...
هذا و من أهمها في معرض الجمع والتدوين:
· أن تكون المادة منقولة نقلا شفهيا، وهو الأصل في القديم والحديث في كل ما لم يدون، أو ما في معناه.
ومن نماذجها ما أفاده صنيع الإمام القزويني عن تاريخ قزوين : إني معتزم قديما وحديثا أن أجمع في أخبارها وأخبار ساكنيها...
بحسب ما سمعته من الشيوخ والعلماء، أو وجدته في التعاليق والأجزاء.
المصدر: التدوين في أخبار قزوين1/3.
ط: مكتبة الرشد.
ومن نماذجها أيضا ما أفاده صنيع الإمام السخاوي بقوله. فهذا كتاب...جمعت فيه من علمته من أهل هذا القرن...
مستوفيا من كان في معجم شيخنا...
وسائر ما ضبطته ممن أخذ عن شيخنا أو عني، أو أخذت عنه، ولم لم يكن من أهل الاعتنا...
الضوء اللامع لأهل القرن التاسع1/5.
ط: مكتبة القدسي.
· أن تكون المادة منقولة من مصدر ودون.
ومن نماذجها أيضا ما أفاده صنيع الإمام السخاوي بقوله: فهذا كتاب...جمعت فيه من علمته من أهل هذا القرن...
مستوفيا من كان في معجم شيخنا...
الضوء اللامع لأهل القرن التاسع1/5.
ط: مكتبة القدسي.
· ومن ناهجهم المهمة: أهمية النقل في كل ما لم يشاهده المؤرخ.
ومن نماذجها ما أفاده صنيع الإمام القزويني عن تاريخ قزوين : إني معتزم قديما وحديثا أن أجمع في أخبارها وأخبار ساكنيها...
بحسب ما سمعته من الشيوخ والعلماء.
المصدر: التدوين في أخبار قزوين1/3.
ط: مكتبة الرشد.
ومن نماذجها أيضا ما أفاده صنيع الإمام السخاوي بقوله. فهذا كتاب...جمعت فيه من علمته من أهل هذا القرن...
مستوفيا من كان في معجم شيخنا...
وسائر ما ضبطته ممن أخذ عن شيخنا أو عني، أو أخذت عنه، ولم لم يكن من أهل الاعتنا...
الضوء اللامع لأهل القرن التاسع1/5.
ط: مكتبة القدسي.
وبهذا يتبين أهمية العلماء المؤرخين في معرض تدوين المعلومة التاريخية، بالنقل عن كل من هو المصدر لتلك المعلومة كعمدة له، من العلماء وكبار السن، وغيرهم، ممن يكفي في ضرب أمثلة البراهين له، ما تقدم في النقول الآنفة الذكر.
لذا فهذا شيء من سنن المؤرخين الذين من لم يعمل بها فقد ضل سبيلهم، ومن عمل بها فهم أسوة له حسنة في سبيل تدوين التاريخ...
وإلى ذلك أسير في ذكر من ذكرته، وفي ذكر من لم أذكره مما سأذكره ما دمت حيا ـ بإذن الله تعالى.
خاصة في تاريخ صحراء: أسياد الصحراء ـ مضارب الطوارق.
التي بلغت ندرة تاريخ أهلها أن بلغ درجة جهل عامتهم معرفة أصولهم، كمعرفة مؤصلة علميا، لما تخيمت الجهالة على كثير منهم، ومن أصولهم ما جعل الأستاذ المؤخر الأديب السفير همام هاشم الألوسي يرحمهم بجهده المتين المتميز، الذي يدعو فيه إلى مزيد بحث في تاريخ هذا الشعب، خاصة في التعريف بأصولهم، بعد أن أدلى بدلوه المليء بمعلومات جليلة دراسية عن شعب الطوارق متميزة، ختمها بقوله :
أخيرا نقول: أن القول الفصل في أصول الطوارق ونسبهم يعود ابتداء إلى الطوارق أنفسهم.
ولا بد لمؤرخيهم أن يدلوا بدلوهم.
المصدر: الطوارق ـ الشعب والقضية تاريخا منسيا ـ وحضورا مقهورا ومستقبلا مجهولا. ص87
طبعة: دار أبي قراقا للطباعة والنشر.

المدخل

إن موضوع فن التاريخ يحتاج إلى أمور، ليست مما يتناوله المثل المشهور: السهل الممتنع.
بل إن موضوع كتابة التاريخ من الصعب الممتنع إلا لمن يسر الله له ذلك...
لأن جمع المادة التاريخية يحتاج إلى جهد جهيد من جهة المصادر المدونة، هذا جانب في حد ذاته صعب.
والجانب الآخر، هو ما يتعلق بجمع المادة التاريخية المعاصرة، من مصادر الرواية الشفهية.
لأنها في الحقيقة يحتاج إلى كثرة الترحال إلى مظان أي مادة، لا سبيل إليها إلا عن طريق اللقي المبني عليه أخذ ما تشتت من تاريخ أي أمة نقل المشافهة...
وهذا الجانب أصعب من الأول، لأنه يحتاج إلى مزيد شروط من جهة الرواية والمروي عنه، منها على سبيل المثال لا الحصر:
· معرفة سنن المؤرخين في معرض الأخذ والتلقي من حفاظ تاريخ كل عصر.
· معرفة من يتوفر منه شرط من شروط الأخذ عنه مما يتعلق بالمادة التاريخية من الخواص فضلا عن العوام.
· التوفيق إلى ما يمكن من ملاقاتهم في مواطنهم وفي غيرها.
· التوفيق إلى اطمئنانهم بك كمؤرخ له رسالة تدوين تاريخهم.
· الصبر والاصطبار مما يواجه ذلك الكاتب، من جهالة من يجهله، وتجاهل من لا يجهله.
· التشمير على ساق الجد في تحقيق هدف رسالته الجَمْعية التدوينية في حق تاريخ من يعنيه ذلك التاريخ.
لذا فمن صعوبة دور جمع المادة التاريخية، سواء من مصادر المشافهة، أو من مصادر المدونة صعوبة لا تخفى على من له أدنى إلمام بالتاريخ...
لذا أصبح دور ذلك الجمع والتدوين ليس من السهل الممتنع، وقد أشرنا إلى صعوبة النقل الشفهي، مع بيان أسباب جانب صعوبته.
فكذلك صعوبة النقل المدون، فهو صعب جدا، لأسباب من أهمها:
· امتلاك حظ كبير من مطالعة كتب التاريخ القديم والحديث.
· استحضار مصادر المعلومات ذات العلاقة بموضوع كاتبها.
ثم بقية المصاعب والمشاق التي تعتري المؤرخ الجاد في كتابة المادة التاريخية كثيرة، عامتها يشترك فيها صعوبة النقل الشفهي، والنقل المدون.
إلا أن النقل الشفهي طريقة الوصول إليه أصعب، لعدم توفر:
· مصادر مادته بالكثرة واليسر والسهولة.
· امتلاك الوسائل الموصلة إليها.
وغير ذلك مما يترتب عليه تقييد تاريخ ما يتعلق بمادة المشافهة.
وعلى سبيل المثال في معرض تدوين هذه المادة يقول الأستاذ المؤخر الأديب السفير همام هاشم الألوسي في معرض ترحمه لتاريخ شعب صحراء: أسياد الصحراء ـ مضارب الطوارق:
وكان من الصعب علينا أن نثبت معلوماتنا فيمن رحل منهم في السنوات الأخيرة، ومن بقي على قيد الحياة.
وكم نأمل أن يقوم مؤرخ طارقي بإصدار كتاب يخص هذا الموضوع، وفاء لتاريخهم وسجلهم المميز في حياة قبائلهم.
المصدر: الطوارق ـ الشعب والقضية تاريخا منسيا ـ وحضورا مقهورا ومستقبلا مجهولا. ص358
طبعة: دار أبي قراقا للطباعة والنشر.
قلت لذا يعلم أن دور كتابة تاريخ أي أمة كهذه ليس من السهولة القيام به، كسهولة:
· التنظير فيه بما يشبه في معرض التحقيق: أضغاث أحلام.
· تقليل شأن ما يقام به من: الجود من الموجود ـ فيه.
· اتهام النوايا فيمن يقوم به، مما هو من محض: الرجم بالغيب.
· الاطمئنان بأن تاريخ هذا الشعب ذي التاريخ الجليل الكريم لا يهمه، بدرجة أن كأنه عنده من الباطل المقول في عظم جرم قربه: لست من دد ولا دد مني.
كما ورد في الحديث الصحيح.
· التغني بفليسات تاريخية ورثها وارثها، فهو مشتغل بعدها يوما بعد يوم، إن نسي واحدة اليوم تذكرها غدا، فإن حال الحول عليها فلا يرى ابن السبيل لها زكاة، وذلك من فقه وارثها أنها ليست من النقدين الخالصين.
وغير ذلك مما لا مطمع في حصره، من السهل غير الممتنع تضييع الوقت به...
ومع ذلك كله فإن من ابتلي بمجموعات: السهل غير الممتنع.
تراه يتدرع بها أمام الواجب العرفي في كشف اللثام عن حق تاريخ أمة من الأمم كهذه التي بنت قصورا من المجد العظيم، فعفا عنها الدهر حتى بلغت أنها لا يرى لها إلا معالم آثارها في أطلال أفقها، كما يصوره لنا الأستاذ المؤخر الأديب السفير همام هاشم الألوسي في معرض ترحمه على أهل معالم قصور تلك الأطلال بقوله عن شعب الطوارق:
وكثيرا ما يسترجع هؤلاء اعتزازهم بالدور الذي لعبته قبائلهم مع أبناء وطنهم في مالي والنيجر والجزائر، خاصة في مقاومة المستعمر المحتل.
ويذكرون بفخر كبير قصص بطولات مختلفة مشهورة في مقاومة الغزاة.
المصدر: الطوارق ـ الشعب والقضية تاريخا منسيا ـ وحضورا مقهورا ومستقبلا مجهولا. ص245
طبعة: دار أبي قراقا للطباعة والنشر.
وأي عار تاريخي لم يلحق أرباب قلم غفل أهلها المعاصرون عن تدوين أيام أمة عظام، لا سيما في جانب المعارك الجهادية، والبطولات الإسلامية.
إذا غفل الغافلون عن تدوين مثل هذه المآثر في كل عصر، وتغافل عنها المتغافلون غدوا وعشيا، ما ذا عسى أن يحرك ضمائرهم تجاه تاريخ شعب أفقهم بعد ذلك، هذا في حق جانب هذه المآثر، وما وفي معناها...
وقل بملئ فيك في جانب أهل المآثر العلمية فإنها أشد إغفالا عند الكثيرين، ولضرب مثال في حق جانب أهل العلم لا الحصر، نورد هذا النقل عن السوقيين، يقول الأستاذ الأديب المؤرخ الشهير عبد القدوس الأنصاري السوقي اليحيوي، في معرض كلامه على شخصية العلامة محمد الطيب الأنصاري السوقي اليحيوي ـ رحمهما الله ـ قائلا فيما نحن بصدده:وقد نزح أحد أجداد قبيلته من المدينة إلى بلاد المغرب، وبعد تجواله استقر ببلدة السوق...
وكان جلهم من العلماء وطلبة العلم، فغلب عليهم لقب السوقيين بعد ذلك لهم بالنسبة إلى البلد الذي نزحوا منه.
المصدر: اللآلي الكمينة في شرح الدرة الثمينة ـ مقدمة الكتاب ـ ط: مطبعة المدني.
قلت: فأين مآثر تاريخ جل هؤلاء العلماء مدونة قديما وحديثا؟
وأين مآثر تاريخ أضرابهم من علماء أفقهم مدونة قديما وحديثا؟
ومن ينتظر أن يجمعه فيدونه برا بهم خاصة في هذا العصر من بين الأجيال؟.
هل من آلى حلفة أنه لا يقرن اسم نفسه بنسبة من نسب اللقب السوقي، مبالغة في عقوقه العقوق التاريخي، هل من قال ذلك هو الذي يبر بتاريخ قوم، أول عداوته له بدأت من لقبهم ـ فكيف يصبر أمام كتابة منقبة غيره بكل أمانة علمية، ونفسه لا تقوى دفع معنى اللقب إلى البر بأربابه ـ وهو أيضا من أبنائهم السوقيين، ليس من القبائل العلمية الأخرى!!!
فهل من قال جهارا نهارا إن اللقب السوقي ليس معروفا على أهله.......
مبالغة في عقوقه العقوق التاريخي، هل من قال ذلك هو الذي يبر بتاريخ قوم، أول عداوته له بدأت من فلسفة معاني لقبهم، وهو من أبنائهم السوقيين، ليس من القبائل العلمية الأخرى!!!
فيضرب هذا وذاك بحقائق التاريخية عرض الحائط، لأجل هوى النفس في معرض الطواعية، فهل يجنى من شجر هذا وذاك وأضرابهما ثمرا تاريخيا طيبا إلا إذا أصبح يجنى من: الشوك العنب.
فهل من هذا هديه التاريخي المستقيم، أن يتعب نفسه في جمع وتدوين تاريخ ما يشوب إيمانه به نفاق تاريخي عملي؟
وهل من كان على شاكلة من ذلك هديه، ومن هو معجب به من ضعاف الشخصية العلمية والمعرفية أن يقوم فيحرك ساكنا من تاريخ من أمة عظيمة التاريخ كهذه؟
بل هذا محل تحقيق لمعاني الثل السوء من مقلديهم حاكيا قول من قال: أموت على ملة عبد المطلب.
فإذا كان واقع حال من هذا هديه، بتاريخ قومه، فما ذا عسى أن يكون موقفه مع من يسعى بما يتصادم بالمسلمات اليقينيات التاريخية عنده في حق قومه الأبعدين، فضلا عن الأدنين، الذين قد يراهم رأين العين: الشعب المختار، هذا أمر.
وأمر آخر: ما موقف هؤلاء وأضرابهم تجاه من يسعى في كشف تاريخ بقية الشعب؟ فهل ينتظر منهم:
· الكلمة الطبية في ظهر الغيب؟
· التشجيع الأخوي فيما يتعلق بواجبهم التاريخي؟
· التعاون المثمر تجاه واجبهم التاريخي؟
· بذل النصائح الصحيحة الصريحة خاصة فيما يخدم واجبهم التاريخي؟
وغير ذلك مما ينتظر في أمثاله من أهل أفقه ممن رزق حظ من العلم والمعرفة؟
وخلاصة القول أن ينتبه من قد يغتر بأهل ذلك الهدي البعيد عن الهدى التاريخي.
لذا فكل ينبغي عليه أن يدلو بدلوه التاريخي في إماطة اللثام عن تاريخ هذا الشعب المقول في حقه ما تناوله قلم الأستاذ المؤخر الأديب السفير همام هاشم الألوسي في معرض ترحمه على مآثر شعب الطوارق، بقوله:
وعن عقيدتهم الدينية ليس هناك من اختلاف عن دخول أبنائهم إلى الدين الإسلامي الحنيف...
وهم جميعا مسلمون، ومذهبهم واحد، وتمسكهم بمبادئ دينهم أمر معروف، واعتزازهم بذلك.
وقد لعب الإسلام دورا في توحيد صفوفهم، وفي إدخال مفاهيمه السمحاء إلى مجتمعاتهم، إضافة إلى دور أكبر أداه في توحدهم مع الأعراق والقبائل الأخرى في دول إقامتهم...
المصدر: الطوارق ـ الشعب والقضية تاريخا منسيا ـ وحضورا مقهورا ومستقبلا مجهولا. ص356
طبعة: دار أبي قراقا للطباعة والنشر.
لذا فعلى السعي الحثيث في معرض المساهمة في كشف النقاب عن تاريخ شعبنا ـ شعب: صحراء: أسياد الصحراء ـ مضارب الطوارق ـ أتناول ـ بإذن الله تعالى ـ موضوعات: الجوهر الفاخر في سيرة السيد الشريف الشيخ انتالا أق الطاهر.

الموضوع

هو تناول ما وقفت عليه من سيرة صاحب الترجمة العلم الشهير الشيخ انتالا أغ الطاهر ـ حفظه الله تعالى.
وهذه الترجمة عبارة عن تدوين رؤوس الأقلام في حق درر من تاريخه، كشخصية دينية، وشخصية سياسة.
لأني لا أمتلك من النقولات إلا شيئا يسيرا في حق سيرته، منه ما هو منقول عنه، إثر مقابلة ظفرت بها معه ـ حفظه الله تعالى.
وهذا الموضوع تناول نقول عناصر موضوعات هذه السيرة بصفة خاصة في رحلتي الدعوية العام الماضي 1433هـ.
في زيارة تيسر لي فيها لقاء هذه الشخصية الموقرة، وكان اللقاء جرى في مدينة كيدال.
بعد أن تشرفت فيها إلى زيارة صاحب الترجمة في منزله، مع نجله السيد النبيل الشريف محمد بن انتالا ـ حفظهما الله.
وكان برفقة من معي من الرفقاء الزملاء جماعة أخرى مكرمة، لعل ذكرهم نتشرف به في موطن له صلة موضوعية بهم، وبأمثالهم ـ بإذن الله تعالى.
ولقد تحينت فرصة تناول عناصر هذه الترجمة عن المترجم له نفسه في عدة مرات زرت فيها مدينة كيدال.
فأجد نفسي لا تتوفر لها مناسبة ذلك، لعدة أسباب لا تخفى على من له اتصال بهذا الفن، خاصة في معرض تدوين شيء عن الرجالات الكبار في كل عصر، وهم في ذلك هم عمدة نقل ترجمة أنفسهم عنهم أيضا.
فكل فترة أتزود من السيد الشريف الشيخ انتالا بزاد من تاريخ منطقته، من تدوينه قبائل أفقه، ومواضيع تاريخية أخرى ذات صلة بتاريخ: صحراء: أسياد الصحراء ـ مضارب الطوارق.
خاصة في زيارتي الأولى لولاية كيدال عام 1423هـ.
وهي زيارتي لها الأولى، وقد تفرغت للقاء مع الشيخ انتالا، بعد أن استأذنت جانبه الكريم لمن كان معي من الدعاة أن يتوزعوا في مساجد مدينة كيدال، لإلقاء كلمات دعوية هادفة في العقيدة الصحيحة، والتوحيد السليم...
ولذكر هؤلاء الدعاة الكرام الفضلاء موضع أتشرف بذكرهم فيه ـ بإذن الله تعالى.
وقد تفضل عليّ الشيخ انتالا بمزيد من الإكرام، من أجله أن استخرج ما تيسر من الآثار العلمية المتيسر وقتئذ إبرازها، منها ترجمة: الشريف آيت الجامع لشرفاء قبائل إفوغاس.
وقصائد منها: قصيدة الشيخ العلامة أعالي بن محمد بن اليمان الإدريسي السوقي المرسي ـ رحمها الله تعالى ـ منها:
إلى الإمام ابن الإمام الطاهر***ابن الإمام إلّي ذي المآثر
والأرجوزة تناولت جوابا لسؤال طرحه عليه صاحب الترجمة الشيخ انتالا ـ حفظه الله تعالى.
فاستهل الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ جوابه بالإشارة إلى فضل عظيم تمتع به صاحب الترجمة السيد الشريف انتالا ـ حفظه الله تعالى ـ ومن ذكر من سلف السيد الشريف انتالا من أباء صقد السيد الشريف الطاهر نجل السيد الشريف إلِّي...
ما بلغ ذلك الفضل الكبير بهذا البيت الكريم الشريف درجة الإمامة في درجات الفضل ـ فرحم الله ذلك السلف، وبارك في هذا الخلف ـ سيادة بيت انتالا دهرا دهرا ـ يا رب العالمين.
هذا وهناك آثار أخرى شرفني بإبرازها لي أخرى ـ ولها ذكر تفصيلي في موضوع ذي صلة بها ـ بإذن الله تعالى.
وعلى كل حال فإن كل فترة زمنية زرت فيها مدينة كيدال، أتشرف بزيارة صاحب الترجمة ـ الشيخ انتالا ـ حفظه الله تعالى ـ وأرجع في تلك الزيارة بتحف سنية من تاريخ المنطقة.
ولها أي: تلك التحف التاريخية السنية مواضع نثر دررها ـ بإذن الله تعالى ـ ونحن في هذا الموضع نتشرف بنثر موضوع تحف سنية من سيرة هذا العلم الذي هو من رجالات أعلام أفقنا منذ أن نيطت عنه التمائم، فهو محل فضل وبر ومواقف كبار ـ دينيا واجتماعيا وسياسيا ـ في معرض المكارم.
وما وقفت عليه من ذلك التاريخ الكبير، هو الآتي ـ بإذن الله تعاى ـ مما أتحفني به سيادته في زيارتي العام الماضي له ـ حفظه الله تعالى ـ عام 1433هـ.
وذلك مما تميزت به زيارتي هذه عن اللاتي قبلها، إنها الزيارة التي تيسر لي فيها التقاط درر هذه السيرة من المترجم له الشيخ انتالا ـ حفظه الله تعالى.
وهي التي تتعلق بالجهر عن شيء من أسرارها المتعلقة بهذه السيرة العطرة.
والقسم الآخر: من هذه السيرة هو ما يتعلق بمصادر أخرى تناولت شخصية صاحب الترجمة ـ الشخصية الموقرة.
وستسند نقولاتها إلى مصادرها ـ بإذن الله تعالى.
فلذا فإن هذه السيرة تأتي تحت محاور ـ بإذن الله تعالى.
وتحت كل محور فقرات.
المحور الأول: شخصية السيد الشريف انتالا ـ حفظه الله تعالى ـ الدينية.
المحور الثاني: شخصية السيد الشريف انتالا ـ حفظه الله تعالى ـ السياسية.
المحور الثالث: شخصية السيد الشريف انتالا ـ حفظه الله تعالى ـ الاجتماعية.
المحور الرابعة: قبيلته ـ حفظه الله تعالى ـ الموقرة ـ إفوغاس.
المحور الخامسة: موطنه ـ حفظه الله تعالى ـ ولاية: كيدال.
هذا وكل محور سيأتي الكلام عليه، وما له من الفقرات ـ محورا محورا ـ بإذن الله تعالى.
عليه ـ سبحانه ـ توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون.

المحور الأول: شخصية السيد الشريف انتالا ـ حفظه الله ـ الدينية:

وهذا المحور يشتمل على فقرات لطيفة مختصرة، لأجل شح المادة اللائقة بسيرة شخصية السيد الشريف انتالا ـ حفظه الله تعالى.
قلت: إن هذا المحور من المحاور الهامة في سيرة أي إنسان من البشر، وبل ومن الواجب على كل فرد أن يتمتع بشخصية نقية من جهة تمتعها بالواجب من الآداب الإسلامية، بل وكل ينبغي أن يتمتع بالمستحب منها فإن الشرع يرفع شأنه به حتى يصل إلى درجة الصالحين الكمل الأبرار.
ونقدم لمحات كفقرات مهمة بين يدي هذا المحور النادر التحقيق في حق الفرد، والمجتمع:
الفقرة الأولى: لمحة تاريخية عن مكانة كبيرة تتمتع بها الشخصية الطارقية في نفوس مجتمعاتهم الطارقية:
وهذه اللمحة فبل أن تكون لمحة تاريخية منقولة، فهي حقيقة مشاهدة في حياة الشعب الطارقي.
لكن زان هذه الحقيقة المشاهدة المتوارثة جيلا جيلا، حتى تصبح سيمة بارزة يدركها كل ذي بصر معاصر، وذي بصيرة نافذة معرفية أدركتها كحقيقة تاريخية تذكر فتشكر.
ولقد انبرى إلى تخليدها في سجل دواوين التاريخ، أحد الأقلام البارة بشعب الطوارق، وهو القلم البار للأستاذ همام هشام الأولسي السفير العراقي، القائل في معرض رحمته لشعب الطوارق، بقوله التاريخي الكريم:
ومما يعرف عن الطوارق، وعلى مر التاريخ اعتزازهم وافتخارهم بشيوخهم ورجالاتهم، أخصهم أولئك العلماء الأجلاء والأمراء، الذين عملوا على ترسيخ دعائم الإسلام في منطقتهم، مما ضمن للدين الحنيف الاستمرار والتقدم.
المصدر: الطوارق ـ الشعب والقضية تاريخا منسيا ـ وحضورا مقهورا ومستقبلا مجهولا. ص159
طبعة: دار أبي قراقا للطباعة والنشر.
الفقرة الثانية: لمحة تاريخية مشاهدة في معرض الشهادة في حق تمتع الشيخ انتلا بالأسباب المؤهلة للشخصية الإسلامية السامية.
وفي شيء من معاني مقامات تلك الشخصية في معرض تخليدها، يقول صاحب القلم البار الأستاذ همام هشام الأولسي السفير العراقي، القائل في معرض رحمته لشعب الطوارق، بقوله التاريخي الكريم:
أما للبعثات التبشيرية المسيحية إلى مناطق الطوارق...
فمضى قائلا: وأن قسما منهم حاول بعد ذلك، وفي مختلف العقود التي أعقبت استقلال البلاد 1960م بناء كنيسة في بلدة كيدال، إلا أن هذه المحاولات فشلت، ورفضت رفضا باتا طلبها بناء كنيسة في مدينة.
بل ومنطقة يقيم فيها حاكم وزعيم المنطقة التقليدي الشيخ انتالا أغ الطاهر.
المصدر: الطوارق ـ الشعب والقضية تاريخا منسيا ـ وحضورا مقهورا ومستقبلا مجهولا. ص130-131
طبعة: دار أبي قراقا للطباعة والنشر.
الفقرة الثالثة: لمحة تعريفية بشيء من خصائص التمتع بمقام الشخصية في المجتمع الطارقي الأصيل.
وهي التي يصورها للقراء الكرام السفير العراقي في شخصية السيد الشريف الشيخ انتالا ـ حفظه الله تعالى:
فيقول الأستاذ المؤخر الأديب همام هاشم الألوسي:
وفي الوقت الحاضر، يشير معظم الطوارق باعتزاز إلى شخصية انتالا أغ الطاهر ـ أمير قبائل افوغاس.
الزعيم الكبير، الذي لعب طوال حياته دورا كبيرا مؤثرا في حماية أبناء المنطقة الأزوادية، ورعايتهم دون تحيز لفئة أو قبيلة على أخرى.
المصدر: الطوارق ـ الشعب والقضية تاريخا منسيا ـ وحضورا مقهورا ومستقبلا مجهولا. ص170-171.
طبعة: دار أبي قراقا للطباعة والنشر.
هذه فعلا مقام الشخصية الطارقية من أسرته إلى أن يصل مستواه المستوى العالم الشعبي في معرض مكتسبات حقائق تلك الشخصية الفذة، وهو أن يكون أبا رحيما بشعبه، بل وبمن في أفق شعبه، باذلا الغالي والنفيس، ومدافعا عنهم بالقول والفعل، ومتقدما معهم إلى منصات ساحات الأمم الأبية الفاضلة...
ووصول مقام الشخصية الطارقية الفذة، بل وما دون مقامات درجات تلك الشخصية، ليست بالسهولة مجرد ادعائها، فضلا عن التمتع ببلوغها، ولا يصل إليها إلا من مشى على أشواك حادة، ومصاعب الصعاب دينيا وسياسيا واجتماعيا...
ثم بعد ذلك كله وما في معناه تبرز الشخصية الطارقية في رجل من رجالاتها الأبرار البررة بهم، إضافة إلى ما تقوم به الشخصية الطارقية من تحقيق أسمى معاني قول من قال:
ببذل وحلم ساد في قومه الفتى***وكــــونك إياه عليك يسير

الفقرة الرابعة: لمحة نقلية تعريفية بجناب السيد الشريف الشيخ انتالا ـ حفظه الله تعالى.
قلت: والتعريف بشخصية المترجم له، ليست من السهل تناوله بقلم غير عليم بما قيل ـ قديما وحديثا ـ في بيان مقامات الفضلاء الأبرار...
كما أن التعريف بمثل صاحب الترجمة ليس من السهل أيضا تناوله بقلم لم يمارس بحق تراجم الأعيان الكبار...
فلذا تفاوت المعبرون البليغيون في مقام بسط بيان التعريف بعين من الأعيان الكبار...
فمنهم من اكتفى ـ لكي لا يحلقه عجز بياني ولا عار ـ بمثل قول من قال على أحد أصحاب مقاماته:

وإن صخراً لتأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار

ومنهم من عبر في معرض التعريف بشخصيته الفذة المقول في عظم مآثره:
إذا ورد الشتاء فأنت شمس***وإن ورد المصيف فأنت ظل
وغير ذلك مما دل على عظم المناقب لبعض الشخصيات الكبار، ما جعل المؤرخين يعجزون في بيانها كما يستحق مقام شخصيته نظما ونثرا.
فيقعون في حرج بياني، جعل آحادهم يعسر عليه التعريف البياني لوصف صفات شخصيته الكريمة، في معرض عظم اكتسابها المآثر الحسان العظام.
وذلك لأن التعريف حين يتناوله المتناول من الكتاب المؤرخين، يتناولها بما دلت عليه صفات مناقب تلك الشخصية التي بعضها يصعب تناولها في معرض البيان في حق الرجال الكمل ـ حسب ما يرزقه البشر من الكمال ـ كما يليق بمقام تلك الشخصية...
فيهرع المتحدى بذلك البيان إلى مثل ما تقدم من معاني العجز البياني، وما في معناه كقول من قال قائلهم على أحد أصحاب مقامات شرف العلا، بقوله:
أوصاف سيدي بهذا الرجز***تقرب الأقصى بلفظ موجز
فلذا نترك مجال التعريف بجناب شخصيتنا شخصية السيد الشريف الشيخ انتالا ـ حفظه الله تعالى ـ ليصورها لقراء المعرفة السفير العراقي الأستاذ المؤخر الأديب همام هاشم الألوسي، بوصفه التعريفي الوزيج البليغ ـ شكر الله له بقول سعادته:
وقد ارتبطنا خلال عملنا بجمهورية مالي بين الأعوام 1985-1994بعلاقات أخوية مع:
الشيخ انتالا أغ الطاهر، كان طابعها الأبرز الاحترام، والإعجاب بأخلاق وطبائع هذا الرجل الفاضل، والزعيم الشعبي الكبير...
المصدر: الطوارق ـ الشعب والقضية تاريخا منسيا ـ وحضورا مقهورا ومستقبلا مجهولا. ص170-171.
طبعة: دار أبي قراقا للطباعة والنشر.
قلت: ـ جزى الله ـ عن شعب صحراء: أسياد الصحراء ـ ذلكم المؤرخ الكبير البليغ الحصيف، السفير العراقي الألوسي السيد الشريف، إنه حقا قديما قيل:
لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذووه.
هذا مثل ضرب له أروع الأمثلة هذا السفير، ذو القلم البليغ البار بأهل أفقنا ـ شعب صحراء: أسياد الصحراء ـ مضارب الطوارق ـ الشعب الأبي الكريم الأصيل الشهير.
الفقرة الخامسة: وميضات تعريفية ببعض آباء صدق ـ نجباء هذه الشخصية النجيبة، السيد الشريف النجيب إنتالا ابن النجيب السيد الشريف الطاهر ابن النجيب السيد الشريف إلّي ـ رحم الله السلف وبارك في الخلف.
قلت: إن مثل هؤلاء الآباء النبلاء هم ممن يقال في حق التعريف بهم: المعرف لا يعرف.
لأن تعريف المعرف ضرب من حقيقة: تحصيل الحاصل.
فلذا يقول أهل التعريف بالمعرفة البينة مقامات الفضلاء، عن مثل شخصية السيد الشريف الطاهر، ومن نماه إلى شرف العلا...
فيقال عن كل واحد منهم مقالة من قال ـ فذهب قوله مذهب مثل: هو غني عن التعريف.
فكذلك نقول كل واحد من هؤلاء الآباء الأعيان النبلاء...
فلذا نترك مجال التعريف بجناب شخصياتنا الأعيان الكبار هؤلاء، ليصورهم لقراء المعرفة الشيخ العلامة عالي بن محمد بن اليمان الإدريسي السوقي المرسي، بقوله ـ رحمه الله تعالى:
إلى الإمام ابن الإمام الطاهر***ابن الإمام إلّي ذي المآثر
فهو التعريف البليغ اللائق بمثل أرباب المقامات الكبار...
فرأينا الاستناد إليه في الاكتفاء في معرض التعريف في حق هؤلاء الأعيان النبلاء.
لكن سأجتهد في حياتي ـ بإذن الله تعالى ـ على جمع مآثرهم، وتدوين ما ظفرت به، وفاء لدورهم الديني والسيادي والاجتماعي التاريخي الكبير، لتكون تلك المآثر تخلد في دواوين التاريخ، لتقود من وقف عليها ـ من أنجالهم السادات ومن في معنى مقاماتهم السيادية ـ إلى الأسوة الحسنة بأربابها لاكتساب تحقيقها في أرض الواقع، وإضافات مآثر أخرى عليها حسان، على هدي قول من قال:
نبي كما كانت أوائلنا تبني***ونفعل مثل ما فعلوا
هذا وأحسن بقول من قال: كم ترك الأول للآخر شيئا.

الفقرة السادسة: دور هؤلاء الآباء في تكوين شخصية الشيخ انتالا ـ حفظه الله تعالى ـ الدينية.
قلت: وإن من أصدق معاني أبيات الحكمة، معاني بيت:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا***على ما كان عوده أبوه
هذا البيت تجلت حقائقه في شخصية الشيخ انتالا ـ حفظه الله تعالى.
وإنه ليصعب تناول بيان ما لا يحصى من تلك الحقائق الكريمة الجليلة التي تم بفضل الله كون شخصية المترجم له تكويا دينيا متميزا، ثم بفضل ما بذله من أدركه من سلفه الكرام، خاصة والده العلم الشامخ الشهير الطاهر ـ رحمه الله تعالى.
إذ من بيان ذلك الدور الديني ما يلي ـ بإذن الله تعالى ـ في الفقرات الآتية مما أتحفني به صاحب الترجمة نفسه ـ حفظه الله تعالى ـ في معرض أجوبته الجلية على أسئلة طرحتها على جنابه الكريم، في مقابلة معه ـ حفظه الله تعالى ـ هذه السنة بتاريخ 2/8/1433هـ.
سنة نقل نفائس المقابلات، التي حظيت أسئلتها بأجوبته السنية الكريمة، التي أوائلها:
إن والده السيد الشريف النبيل الشيخ الطاهرـ رحمه الله ـ كان يأخذ لأولاده بعض المدرسين ليعلمونهم القرآن الكريم.
قلت: ومن هؤلاء الأبناء الكرام ـ الذي تربوا في رحاب القرآن الكريم ـ صاحب الترجمة الشيخ انتالا ـ حفظه الله تعالى.
ولذكر بقية ما رزق من النجباء النجباء موضع ـ بإذن الله تعالى ـ أتمتع فيه بمادة تاريخية لائقة بذكرها في حق مقاماتهم الجليلة.
الفقرة السابعة: تدرج المترجم له الشيخ انتالا ـ حفظه الله تعالى ـ في سلك تعلمه الدين الحنيف.
وذلك على أيدي شيوخ أهل ذلك الزمان الأعلام الفضلاء، كما شرف قراء المعرفة بذكر بعض أولئك العلماء الفضلاء الأعيان مهم:
· الشيخ العلم أداس بن أمية الأنصاري السوقي التكرناتي ـ رحمه الله تعالى.
قرأ عليه الشيخ إنتالا النحو: ألفية ابن مالك، من أولها إلى آخرها.
ولهذا الشيخ وصايا لتلميذه ـ الشيخ إنتالا...
وهي وصايا كثيرة، فمما سمحت به ذاكرة التاريخ، قوله: ومنها كثرة تذكر الآخرة...
· الشيخ العلم إنْباكُوَّ بن أمية الأنصاري السوقي التكرناتي ـ رحمه الله تعالى.
وهذا الشيخ أخ للشيخ أداس السوقي الآنف الذكر...
قرأ عليه الشيخ إنتالا الأوراد...
وهذا الشيخ من العلماء الأعلام الذين قتلوا بيد حكومة مالي 1963ميلادي.
· الشيخ العلم عيسى بن الحسن بن البروك الإدريسي السوقي الأضاغي ـ رحمه الله تعالى.
وقد استفاد منه الشيخ إنتالا في النحو...
· الشيخ العلم الحاج أحمد محمد بن عبد الله الشريف ـ رحمه الله تعالى. وهذا الشيخ من أعيان منطقة:ديري في زمانه، وهو من علماء قبيلة: كَلْ أُنَانْ.
قلت: وهي قبيلة من العلم والمعرفة والفضل والشرف من شعب أفقنا ـ صحراء أسياد الصحراء.
هذا وإن جد هذا الشيخ هو جد ابن النجيب الشيخ العلامة الشريف سيدي علي بن النجيب ـ رحمها الله تعالى.
وقد رأيت لللشيخ العلامة ابن النجيب ترجمة مفردة لبعض العلماء ـ جزاه الله عن أمة شعبنا بتلك الترجمة لعين من أعيانها كل خير.
قلت: ومما قرأه صاحب الترجمة الشيخ انتالا على شيخه هذا ـ رحمه الله تعالى ـ النحو، منه: المقدمة الآجرومية، وألفية ابن مالك ـ الربع الأول.
وقد توفي هذا الشيخ الحاج أحمد محمد 1968ميلادي.
قلت: فعلى لمسات سريعة حول معطيات مسرد شيوخ المترجم له الشيخ انتالا ـ الشيوخ الآنفة ذكر أسمائهم، وما ظفر به من تحصيل العلم الشرعي، في أيديهم نقف على حقائق جليلة جلية، منها:
· الاهتمام به ـ حفظه الله تعالى ـ في سن الطفولة بتنشئته تنشئة دينية متميزة مبتدأة بتعلم كلام الله تعالى ـ منبع الهداية والعلوم.
· ارتقاؤه ـ حفظه الله تعالى ـ في سلم التحصيل لعلم الشرع، بدراسة بعض كتب اللغة الهامة التي هي الأساس الوحيد في فهم العلوم الإسلامية على الوجه الصحيح.
· تنوع شيوخه ـ حفظه الله تعالى ـ فيها تنوعا يدل على اهتمام بالغ كبير بعلم اللغة، ليحصل له عند كل واحد من شيوخه اللغويين مزيد فهم وعلم على حد قول الآثاري الشافعي: وكل نحوي له زيادة.
· تأثره ـ حفظه الله تعالى ـ بما يدعو إليه العلم امن لعمل، الذي من أجلّه: ذكر الله ـ عز اسمه ـ المقول في عظم شأنه:
لا يزال لسانك رطبا بذكر الله.
هذا وإن كل ذكر لله تعالى، لهو من أعظم ما شرع التعبد به، وصدق الله إذ يقول: واذكروا الله ذكرا كثيرا.
وغير ذلك مما تظاهرت به نصوص الكتاب والسنة على مشرعية الذكر وفضله...
اللهم إلا أن ما ورد الورد به مما ليس له أصل شرعي، فلا يجوز التقرب به إلى الله تعالى، وقد ابتلي كثير من المتعبدين بذكر مقيد بشيء لم تقيده الشريعة ـ حسب ما ورد في معرض الأذكار من النصوص، فما كان كذلك وغيره مما وقع به الابتداع في الأذكار ـ الأوراد ـ فلا يجوز التعبد به، بوجه من الوجوه...
فلذا فإن مما ابتدع في الأذكار بدعا متنوعا، تحت مسمى: الأوراد، تارة، وتارة بمسمى حزب فلان، وهكذا...
مما لا يخفى على من له اطلاع بما أحدثته الصوفية على الأذكار المشروعة، التي من تلك المحدثات استغاثات وتوسلات بغير الله ـ جل في علاه ـ ونداءات غير الله تعالى، وغير ذلك من الضلال المبين المبتدع في الأذكار...
ولقد ابتلي كثير من الناس بتلك البدعة الضالة المضلة، ظنا منهم أنها تقربهم إلى الله تعالى، أي: تلك الأذكار ـ الأوراد المبتدعة.
ومن ذلك ما رواه الدار مي وغيره عن عمرو بن سلمة قال : كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل الغداة ، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد ، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال : أخرج إليكم أبو عبد الرحمن ؟ قلنا : لا فجلس معنا حتى خرج ، فلما خرج قمنا إليه جميعاً ، فقال له أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرته ، ولم أرى والحمد لله إلا خيراً . قال : فما هو ؟
فقال : إن عشت فستراه ، رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ، ينتظرون الصلاة ، في كل حلقة رجل ، وفي أيديهم حصاً، فيقول : كبروا مئة ، فيكبرون مئة ، فيقول : هللوا مئة ، فيهللون مئة ، ويقول سبحوا مئة ، فيسبحون مئة .
قال : فماذا قلت لهم ؟
قال : ما قلت لهم شيئاً أنتظر رأيك أو أنتظر أمرك .
قال : أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم ، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء ؟.
ثم مضى ومضينا معه ، حتى أتى حلقة من تلك الحلق ، فوقف عليهم وقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا : يا أبا عبد الرحمن ، حصاً نعد به التكبير والتهليل والتسبيح . قال : فعدوا سيئاتكم ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة أهدى من ملة محمد ، أو مفتحوا باب ضلالة .
قالوا : والله يا أبا عبد الحمن ما أردنا إلا الخير .
فقال : وكم من مريد للخير لن يصيبه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا : إن قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم .
وأيم الله ما أدري ، لعل أكثرهم منكم ، ثم تولى عنهم .
فقال عمرو بن سلمة : رأينا عامة أولئك الخلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج .أ.هـ.
وصححه الألباني والهيثمي.

صدق ذلكم الصحابي الصادق، هذا ولقد تناولت شيئا من أقوال السلف في شيء من ذلك في موضوع من مواضيع: الأسرار الخفية...
المتعلق ببعض البدع في جانب التعاليم الصوفية.
قلت: فموضوع تلك المادة أتحين فرصة العودة إليها في بيان كثير من تلك الضلالة التي عمت وطمت ـ حسب ما أثر عن السلف الصالح من التحذير عنها ـ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}.
هذا ولقد شغلت ـ عن المشاركة في بيان بعض تلك الطامات المحدثات ـ بمثل موضوعات التاريخية، التي منها: موضوعات مادة: الجوهر الفاخر...
فشغلني ذلك كثيرا عن كثير من الواجبات، التي منها التعرج إلى مادة: موضوعات: الأسرار الخفية...
وذلك لأن مادة تاريخ أفقنا ليست مدونة، فما بقي منها من ينقل عن كبار السن ومن في معناهم، انترك لحظة كان ذلك مساهمة تضيعها الآثمة اجتماعيا، لأن مصادرها لا تكون متاحة في كل وقت احتيج إليها...
بخلاف ما يتعلق بالصوفية وما خالفت فيه وغيرها من أهل البدع تعاليم الكتاب والسنة من البعد البحتة...
فإن ذلك كثير منه جمعه علماء السلف الصالح قديما وحديثا، ودونوه على وجه بيان كل بدعة وردها بالكتب والسنة على هدي السلف الصالح، المقول في عظم شأنه:
وكل خير في اتباع من سلف***وكل شر في ابتداع من خلف
جعلني الله وإياك أيها القارئ الكريم من الهداة المهتدين غير ضالين ولا مضلين.
الفقرة الثامنة: آثار شخصيته الدينية في نشر تعاليم الدين الحنيف.
إن صاحب الترجمة الشيخ انتلا ـ حفظه الله ـ كان مما قام ببذله بجهد شخصه الكريم، أن قام بمزاولة تعليم الدين في أفقه، وهذه الفقرة ستحدثنا بدرر من دور ما بذله العطاء الكريم في سبيل تعليم غيره علوم الدين الحنيف...
وممن بلغه ذلك الدور ممن أخذ عنه شيئا من علوم دينه الحنيف:
· نجله السيد الشريف النبيل محمد ـ حفظه الله تعالى ـ قرأ عليه القرآن الكريم...
· نجله السيد الشريف النبيل العباس ـ حفظه الله تعالى...
· نجله السيد الشريف النبيل الطيب ـ حفظه الله تعالى...
· السيد الشريف النبيل الطيب بن زيد بن الطاهر...
· السيد الشريف النبيل يحيى بن زيد بن الطاهر...
· السيد الكريم العباس بن سيدي محمد من قبيلة إفوغاس...
· السيد الكريم تُوّى ابن الشيخ العلم أداس بن أمية السوقي الأضاغي...
قلت: هذا شيء يسير في جانب من تعلم شيئا من أمر دينه على يد صاحب الترجمة الشيخ انتالا ـ حفظه الله تعالى.
وهؤلاء ـ ولله الحمد ـ أصبحوا من أعيان الأمة النجباء، وآمال أمة شعب أفقهم متعلقة بهم، بعد فضل الله البر الكريم.
وهؤلاء ممن ظهرت فيهم شخصية الشيخ انتالا الدينية، خاصة أبناءه الأعيان النبلاء الكرام...
الذين بهم وبنظراء جهاتهم خولف اجماع أعضاء البرلمان المالي حين دعا تصويته للسوية بين المرأة والرجل، فيما جاء متصادما مع تعاليم الشرع الحكيم...
فكان السيدان النبيلان محمد والعباس اللذان كانا من أعضاء البرلمان في حكومة دولة مالي وقتئذ، فخالفا إجماع غيرهم من الأعضاء في البرلمان المالي ـ فالحمد لله الذي شرف شعب أفقنا بوقفتهم الدينية تلك، وغيرها مما سأفرد ذكرهم وذكر مآثرهم في سجل التاريخ ـ بإذن الله تعالى ـ في موضع خاص بهم، وفاء لهما ولدورهما وغيرهما من أعيان هذا العصر، الذين حققوا جماعات وفرادى معنى قول من قال:
إني وإن كنت الأخير زمانه …لآت بما لم تأتي به الأوائل
الفقرة التاسعة: ظهور شخصيته الدينية باتصاله الكريم بكبار رجال الدين منذ نعومة أظفاره من شيوخه وغيرهم إلى وقت كتابة هذه الأسطر المتواضعة القليلة في حق أضرابه.
ومن الأمثلة السائرة على ذلك نجوم هذا المسرد ـ الكواكب الوهاجة، من العلماء الذين بين المترجم له الشيخ انتالا ـ حفظه الله تعالى ـ وبينهم جسر التواصل:
وهم مقسمون في هذا المسرد إلى أقسام جليلة حسان ـ حسب أسماء قبائلهم الكريمة المآثر، منهم أعيان العلوم في كل عصر في قطرهم:
العلماء النجوم الزواهر السوفيون:
· الشيخ العلم الشهير الخضر بن حماد الإدريسي السوقي التبورقي ـ رحمه الله تعالى.
· الشيخ العلم الشهير أنارا بن حماد الإدريسي السوقي التبورقي ـ رحمه الله تعالى.
· الشيخ العلم الشهير محمد بن يونس السوقي الأضاغي ـ رحمه الله تعالى.
· الشيخ العلم الشهير باي بن مَخاخَ ـ محاح ـ السوقي الأضاغي ـ رحمه الله تعالى.
· الشيخ العلم الشهير سيدي البكّا بن سيدي محمد الإدريسي السوقي الأضاغي ـ رحمه الله تعالى.
· الشيخ العلم الشهير العتيق بن سعد الدين الإدريسي الجلالي السوقي ـ جعله الله ممن طال عمره وحسن عمله.
العلماء النجوم الزواهر الكنتيون:
· الشيخ العلم الشهير سيدي حمد بن بادي الفهري الكنتي ـ رحمه الله تعالى.
· الشيخ العلم الشهير حَمَدْ لَمين ـ الأمين ـ الفهري الكنتي ـ رحمه الله تعالى.
· الشيخ العلم الشهير سيدي محمد بن بادي الفهري الكنتي ـ رحمه الله تعالى.
· الشيخ العلم الشهير حمدي بن محمد لمين ـ الأمين الفهري الكنتي ـ رحمه الله تعالى.
· الشيخ العلم الشهير أحمد بن بابا الفهري الكنتي ـ رحمه الله تعالى.
· الشيخ العلم الشهير محمد بن بابا الفهري الكنتي ـ رحمه الله تعالى.
· الشيخ العلم الشهير بُو حمدي الفهري الكنتي ـ رحمه الله تعالى.
العلماء النجوم الزواهر الإفوغاسيون:
· الشيخ العلم الشهير أَبَّهْ بن إيكْنَنْ من قبيلة إفوغاس ـ رحمه الله تعالى.
· الشيخ العلم الشهير محمد بن سيو من قبيلة إفوغاس...
· الشيخ العلم الشهير عبدُ بن سيدي من قبيلة إفوغاس ـ رحمه الله تعالى.
· الشيخ العلم الشهير سيدي أحمد بن أبي بكر من قبيلة إفوغاس ـ رحمه الله تعالى.
· الشيخ العلم الشهير الطيب بن أبي بكر من قبيلة إفوغاس ـ رحمه الله تعالى.
· الشيخ العلم الشهير عبد الله بن أبي بكر من قبيلة إفوغاس ـ رحمه الله تعالى.
· الشيخ العلم الشهير سعدي بن سَمَقْ من قبيلة إفوغاس ـ رحمه الله تعالى.
· الشيخ العلم الشهير الطيب بن شَمْلا من قبيلة إفوغاس ـ رحمه الله تعالى .
قلت: هذه الفقرة الجليلة بشموس العلم والمعرفة النيرة في حياتهم ـ رحمهم الله تعالى ـ توحي بمنطق جلي لقراء المعرفة إلى حد كبير مما تتمتع به شخصية صاحب الترجمة الشيخ انتالا ـ حفظه الله تعالى ـ من جانب كبير في معرض رسوخ الشخصية الدينية في المترجم له، ما جعل هؤلاء الأعيان تتصل به اتصال الأعيان الدينية بنظيرهم الديني ـ شكر الله للجميع ما بذله في سبيل الدين لقيادة شعب أفقنا أعظم قيادة ـ القيادة الدينية ، حتى أصبح بهم عصرهم ـ عصر ازدهار العلوم المعرفة المتينة المتميزة في أفقناـ اللهم جازهم بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفوا وغفرانا.

· السيد الكريم تُوّى ابن الشيخ العلم أداس بن أمية السوقي الأضاغي...
لويكتب بدل (الأضاغي ) (التكرناتي) لأن الشهيد توا من قبيلة كل تكرنات ومن ذؤاباتهم.