|
منتدى الحوار الهادف حول القضايا الدينية والتيارات الفكرية والإقتصادية والإجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||||||||
|
|||||||||
من كتاب الفكر الاسلامي الحديث عوامل النشأة والتطور
)- معالم النهضة الاسلامية : لقد سار الفكر الاسلامي في نفس الخط الذي دافع عنه الاسلام مرارا وهوإعطاء الفكر العلمي والعملي الأهمية التي يستحقانها. وهذا ما صبغ الحضارة الاسلامية بالصبغة العلمية والعملية، سواء في الميادين الطبيعية أو الميادين الاجتماعية والسياسية. وبالرغم من إشتغال كبار الفلاسفة في الاسلام بالبحث الميتافيزيقي إلا أنهم لم يستطعوا إلا أن يتأثروا بهذا الطابع العملي والعلمي للحضارة الاسلامية، فصاروا يضاعفون جهودهم العملية وذلك بتطورهم للجانب العلمي والطبيعي للتراث الفلسفي خاصة منه الطب والرياضيات واستطاعوا إغناءه إلى حد بعيد. هذا وقد تجلت هذه الميزة العامة في الفكر الاسلامي في عدة مجالات إجتماعية وطبيعية: فقد إتجه تفكير المسلمين في البداية إلى وضع الأسس التنظيمية للمجتمع الإسلامي سواء من الناحية السياسية أو الإقتصادية أو الإجتماعية وتلك علة إزدهار الدراسات القرآنية والدراسات المرتبطة بها فحيث أن منطلق التشريع والتنظيم بالنسبة للدولة الإسلامية كان هو القرآن والسنة، فقد عمل المسلمون، وراء تلك الرغبة في التنظيم الاجتماعي، على تطوير الدراسات القرآنية إبتداء من رسم القرآن وقراءاته إلى تطوير الدراسات اللغوية والدراسات النقدية لرواية الحديث التي بلغ بها المسلمون شأوا «بعيدا» في النقد التاريخي للنص وللشهادة التاريخية... ورغبة في تطوير المبادئ التنظيمية في القرآن والحديث إهتم المسلمون مند عصورهم الأولى، بالدراسات الفقهية إعتمادا على «الاجتهاد» العقلي ومراعاة لقواعد وأصول منظمة، مع محاولة الربط الدائم بين النظريات الفقهية والواقع السياسي والمجتمع وقد أعطت هذه الدراسات الفقهية المتنوعة – والتي تقوم أساسا على الإيمان بقدرة الفرد على العطاء الاجتماعي داخل «نظام» عام – تراثا قانونيا وتنظيميا يرى البعض أنه "من أهم ما أورثه الإسلام للعالم المتحضر"(1). وتبعا لهذه الروح التنظيمية الاجتماعية إهتم المسلمون أيضا منذ عهد مبكر بالدراسات التحليلية السياسية، إبتداءا من أقطاب الفرق الإسلامية الأولى إلى العهود المتأخرة مع إبن رضوان وإبن خلدون (808هـ) وإبن الازرق (ت 896) في الغرب الإسلامي. وبموازاة لهذه الدراسات السياسية قامت الدراسات التاريخية والجغرافية لتعطي مادة غنية للمقارنة والوصف الاجتماعي. ولايمكن، في هذا الميدان أن ننسى كثيرا من الرحالة المسلمين، ندكر منهم على سبيل المثال العالم الفذ أبا الريحان البيروني (442هـ) الذي لازال كتابه التاريخي والجغرافي «تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مزذولة» يحتفظ بقيمته الكبيرة في تاريخ القارة الهندية، سواء من الناحية الإجتماعية أو الفكرية، وقد إمتاز الكتاب باتباعه لمنهج تجريبي تحليلي ونقدي في وصف الأحوال الإجتماعية. أما في ميدان العلوم البحتة (الفزيائية والرياضية) فقد حاول المسلمون في بداية تطوير التراث العلمي الذي إنتقل إليهم من اليونان فنجحوا، مع مرور الزمن، في تطوير جوانبه الايجابية وفي تطهيره من الشوائب الخرافية والسحرية، خاصة في عالم الفلك، فتمكنوا من تحقيق إنجازات على مختلف المستويات ويذكر بهذا الصدد علي بن ربن الطيري (136هـ) وكذا تلميذه الطبيب والكميائي محمد بن زكريا الرازي (313هـ) الذي «أحرز شهرة واسعة في الغرب حيث ظلت مؤلفاته حجة يؤخد بها دون مناقشة حتى القرن السابع عشر»(2) وترجمت أهم كتبه الطبيعية إلى اللاتينية كما يعد «الرازي» أو من حاول تخليص الكيمياء من الأبحاث السيميائية السحرية وجعلها علما وضعيا له قواعد تجريبية محددة، وذلك في كتابه «سر الأسرار» الذي ترجم إلى اللاتينية ومهما يكن من موقف الاوروبين من فلسفة إبن سينا فإنهم لم يستطيعوا التخلص من تراثه العلمي فأسرعوا إلى ترجمة كتابه «القانون» في الطب الذي حل محل كتب الرازي الطبية والذي أصبح «إنجيل الطب في العصور الوسطى» بالنسبة لأوربا. كما ساهم ابن رشد بكتابه «الكليات» في الطب في تطوير الطب العربي خاصة في ميدان ظاهرة التنفس. وقد ترجم كتاب ابن رشد هذا إلى اللاتينية سنة 1255م. (1) جوزيف شاخت "تراث الاسلام" القسم الثالث، ترجمة د.حسين مؤنس وإحسان صدقي العمد المجلس الوطني للثقافة والفنون والأداب – الكويت 1978 ص 9. (2) مارتن بلسون plesan "تراث الاسلام" المرجع المذكور ص 98 وقد أبانت الكتب الأوربية الأولى في علم التشريح مدى تأثرها بالطب الإسلامي، وذلك من خلال ما احتوى عليه من كثرة المصطلحات العربية فيه هذا وقد تمكن الأطباء المسلمون من تشخيس كثير من الأمراض الجدري والحصية، وكانوا أول من فتت الحصى في المثانة وآلتجأوا إلى التخدير في العمليات الجراحية، كما كان ابن النقيس (687هـ) أول من وصف الدورة الدموية الرئوية (الدورة الصغرى) قبل أن ينتهي إليها ميكائل سيرفيتوسا الذي ربما كان على علم بنظرية ابن النقيس هذه وقد تمكن من وصف الدورة الدموية المذكورة، كما وقد تمكن ابن البيطار أن يصف 1400 عقارا جديدا بينها 400 عقار فقط كان معروفا عند اليونان، وقد تمكن أيضا علي ابن العباس (383هـ) مؤلف «الكتاب الملكي» في الطب أن يدقق الكلام عن الشرايين الدقيقة ويعطي ملاحظات حول حركة الرحم، وقد نقل الصليبيون كتابه السابق الذكر الذي يقع في سبعمائة صفحة، وبالطبع فقد كان هذا التقدم في الميدان الطبيعي مرفوقا بتقدم موازي في ميدان التارخ الطبيعي الوصفي سواء في عالم الحيوانات أو عالم المعادن والكيمياء وعلى ذكر المجال الاخير نشير إلى أن علم الكيمياء لا يزال يحتفظ إلى اليوم بمئات المصطلحات العربية الاصل، نظرا للدور الايجابي الذي قام به المسلمون في استحضار وتركيب مواد متعددة وفي تعليل تركيبات كيميائية وحركات فيزيائية متنوعة، وذلك كتفسيرهم العلمي لصعود الماء من العيون الأرضية وتقديرهم لكثافة الذهب والرصاص، كما استطاعوا استحضار مادة الكحول والبوتاس والحامض الكبريتي ونترات الفضة وملح البارود (نترات البوتاس). وإذا قلنا أن الكيمياء العربية شهدت ازدهارا فذلك يعني بالضرورة ازدهار الرياضيات أيضا لشدة الارتباط بين العملين، وقد تم تحقيق نجاح في العلم الرياضي (خاصة على يد الخوارزمي)، فبالإضافة إلى تطوير المسلمين للأرقام الهندية والتي عملوا على نشرها في سائر أقطار العالم، فقد كان اختراعهم للصفر الحل الأكبر في الرياضيات الوسيطية وبذلك سمحوا بالقيام بعمليات رياضية لا نهائية، وربما كان أهم عمل قام به المسلمون في الميدان الرياضي محاولاتهم الناجحة في تطبيق الرياضيات الهندسية (أي على المكان أو الطبيعة) بواسطة «الجبر» ابتداء من الخوارزمي (232هـ) في مؤلفه «الكتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة» فمهدوا بذلك السبيل أمام الهندسة التحليلية التي ستظهر بأوربا في القرن السابع عشر، وقد سار علماء مسلمون على نهج الخوارزمي وطوروا عمليات الجبر والمقابلة وخاصة على يد «ابن جعفر الخازن» (361هـ) و«عمر الجيام» (517هـ) وقد أثبتت الدراسات ترجمة الكثير من الكتب الرياضية الإسلامية إلى اللغات الأوربية منذ القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي). وفي علم الفلك حاول المسلمون دوما التمييز بين علم الفلك وبين «التنجيم» Astrologie، فتسارعوا إلى وصف الكواكب ودراسة قوانينها باعتبارها ظواهر طبيعية خاضعة لنظام طبيعي محدد، رافضين بذلك كل قول ينسب لها النطق أو العقل، فصنعوا المراصد لذلك الغرض منذ العصر الأموي، كما طوروا آلة الاستطرلاب خاصة على يد العالم الاندلسي «ابن السمع» (477هـ) ثم على يد «الزرقالي» (477هـ) الذي قال بمدار بيضوي من أجل تفسير حركة عطارد، وفي ذلك تشابه مع تفسير «كبلر» (1630م) الفلكي الألماني في تفسيره لحركة المريخ كما اشتهر من بين المغاربة في العلم الرياضي الفلكي أبو العباس أحمد ابن البنا المركشي (721هـ) الذي لا زال تراثه العلمي المتنوع طي النسيان. أما في ميدان «البصريات» فقد طغت الجهود التي بذلها «الحسن بن الهيثم» (430هـ) على غيره في هذا المجال، ويأتي الحسن بن الهيثم في المقدمة بين علماء الطبيعة النظرية بما وضع من ظواهر الضوء... وأثره في هذا العلم لا يقل عن أثر «نيوثن» في علم الميكانيكا وقد ترجم كتابه «كتاب المناظر» في البصريات إلى اللاتينية سنة (1572هـ) وفيه أعطى التفسير العلمي لعملية الرؤية أو الابصار وبالتالي تفسير إنعكاس الضوء وانكساره وسرعته متبعا في كل ذلك منهجا تجريبيا دقيقا «نحن مدينون أيضا لابن الهيثم بالتفسير الصحيح الذي قدمه للزيادة الظاهرية في قطر كل من الشمس والقمر قرب الأفق... كما برهن ابن الهيثم على انكسار الضوء في الهواء يجعل الشمس تظل مرئية عندما تكون في الحقيقة وراء الأفق». وأخيرا، وليس آخرا، لابد أن نضبف إلى ما قاناه سابقا عن تراث المسلمين في الميدان الجغرافي، إن هذا الميدان الازدهار الحضاري في باقي المجالات. للمسلمين يرجع الفضل في اختراع «البوصلة» في الملاحظة، كما أن الرحلات الجغرافية العلمية ذات الطابع الوصفي الدقيق اتسع نطاقها في هذه الحضارة وأدت خدمة جلى إبان النهضة الأوربية: ومن المعلوم أن الكتاب «نزهة المشتاق في اختراع الافاق» للشريف الادريسي الجغرافي المغربي: (548هـ) كان من المراجع الجغرافية الاساسية في أوروبا، إذ أن الادريسي وضع كتابه المذكور وأهداه للملك النورماندي «روجر الثاني ملك صقلية» وكان ذلك الكتاب مصحوبا بخارطة كبيرة للأرض صنعت من الفضة، كما أضيفت إليها إحدى وسبعون خارطة كما ألف «الادريسي» كتابا آخر في الجغرافية «لوليام الأول» ملك صقلية بعد وفاة «روجر» المذكور ولم يكن بإمكان الأوربيون في عصر النهضة إن يصادفهم النجاح السريع في هذا الميدان لولا استعانتهم بمثل هؤلاء الجغرافيين، وعلى سبيل المثال نذكر أن الرحالة الشهير «فاسكودي جاما» كان يستعين في رحلاته الشهيرة في رحلاته الشهيرة إلى الساحل الغربي للهند بالملاح المسلم «أحمد بن ماجد» (القرن 9هـ 15م) الذي قاد حملة «دي جاما» ووضع كتاب «الفوائد في أصول علم البحر والقواعد» دليلا للملاحين في المحيط الهندي... إن كل ما سبق قوله يدفعنا إلى الحكم بأنه إذا كانت لكل حضارة «تقنياتها» فإن تقنيات الحضارة قبل النهضة الأوربية الحديثة، وطيلة العصور الوسطى، كانت مركزة في العالم الاسلامي وبيد المسلمين. (3) جوزيف شاخت "تراث الاسلام" القسم الثالث، ترجمة د.حسين مؤنس وإحسان صدقي العمد المجلس الوطني للثقافة والفنون والأداب – الكويت 1978 ص 9. (4) مارتن بلسون plesan "تراث الاسلام" المرجع المذكور ص 98 منقــــــــــــــــــــــــــــول
آخر تعديل أبوعبدالله يوم
02-27-2010 في 11:57 AM.
|
06-28-2010, 05:30 PM | #2 |
|
رد: من كتاب الفكر الاسلامي الحديث عوامل النشأة والتطور
أخي أبا عبد الله شكراً على هذا الموضوع المفيد
|
قال صلى الله عليه وسلم: (( من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس)) |
07-06-2010, 05:43 PM | #3 |
|
رد: من كتاب الفكر الاسلامي الحديث عوامل النشأة والتطور
قرأت الموضوع فـراااااقت لي المشاركـة فيـه . ولكن قبل أن أشارك وددت أن أشكر طارح هذا الموضوع لما فيهِ من أثراءً ,, شكـراً لكـ : أخي /أبوعبدالله . أفضل ما صنع في الغرب عن الإسلام(1) أفضل ما صنع في الغرب عن الإسلام(2) |
توقيعــــي : *ينفتح قلب المراه لمن يدق عليه كثيرا. *الذي يقول: علمتني الايام والليالي يقصد المراه. *الدموع تغسل عين المرأة وتمزق قلب الرجل ! *ليس واضحا ذلك الفرق بين المدنية والهمجية: فإذا وضعت المرأة قرطا في أنفها كانت بدائية..وإذا وضعت اثنين في أذنها كانت متحضرة. [blur]أنيـس منصـور[/blur] . |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
نشأة مصطلح الحديث | اليعقوبي | المنتدى الإسلامي | 3 | 11-14-2009 12:55 PM |
شطحات الفكر | أبوعبدالله | منتدى الحوار الهادف | 11 | 06-07-2009 01:04 PM |
مصطلحات الشعر العربي الحديث | أبو عبدالملك | منتدى المصطلحات | 2 | 12-08-2008 09:29 PM |