في مواجهة أزمة الغذاء: استعمار جديد؟
تشارف الأزمة الغذائيّة العالمية على الانتهاء، وتحاول الحكومات أخذ التدابير اللازمة لتجنّب أزمة أخرى مماثلة. وقد شرعت الدول الغنية باستئجار أراضٍ في الدول الفقيرة، للاستفادة من محاصيلها، من دون أي انتباه لخطورة هذه الخطوة
إعداد: سمر سليمان
تبدو دول الخليج العربي الفاقدة لموارد إنتاج غذائها الخاص من أكثر الدول المعنية بمنع حصول أزمة غذائية جديدة. هكذا، وفيما تراقب بلدان كالهند عمليات تصدير غذائها بصرامة واضحة، وتخطّط بلدان أفريقية لاستثماراتٍ زراعية كبيرة، تظهر صورة دول الخليج ودولٍ أخرى غنيّة كباحثٍ نهمٍ عن توفير غذائه تكتيكياً، فيما يبقى همّها الاستراتيجي ضمان مخزونها الغذائي على المدى البعيد. وتسعى المؤسسات، قبل الحكومات، في دول الخليج، إلى شراء ملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية في ربوع الدول النامية، حيث تعجز الحكومات عن توفير الخطط الزراعية التي تكفل انتقالها إلى مصاف الدول المكتفية ذاتياً، على مستوى الإنتاج الزراعي.
في حزيران 2008، خلال قمة الأمن الغذائي التي عقدت في روما، وقّعت الدول المشاركة اتفاقيةً لتحويل استثمار أكبر إلى المزارعين الأفارقة، ومساعدتهم تنموياً، ما يسمح لهم بالإنتاج الأكبر والمدخول الأكثر كنتيجةٍ طبيعية. لكنّ بعض الحكومات التي تمثّل الدول المقتدرة اقتصادياً، والتي تفتقر إلى الأرض الزراعية، وخصوصاً في دول الشرق الأوسط، فضّلت عدم انتظار الأسواق العالمية وتنفيذ اتفاقياتها، بل حاولت ضمان حصولها على الغذاء، وذلك عن طريق شرائها الأراضي الزراعية.
في هذا السياق، تخطط «مجموعة بن لادن» السعودية للاستثمار في إندونيسيا من أجل زراعة الأرز البسمتي، فيما باعت باكستان عشرات آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية الخصبة. كما اشترى مستثمرون من أبو ظبي حصصاً من الزراعة السودانية، بحجّة ضمان تخزين الغذاء لفتراتٍ طويلة مقبلة. أمّا الصين، الغنية بالأراضي الزراعية والفقيرة بالموارد المائيّة، فتتابع عمليات التصنيع على كل المستويات، لكنّها زراعياً، بدأت باستكشاف أراضٍ في جنوب شرق آسيا. وفي لاوس، تنوي الدولة تأجير 15% من أراضي البلاد الزراعية. كما ضمنت ليبيا 250000 هكتاراً من الدولة الأوكرانية، وتحذو مصر حذوها في المنطقة نفسها، دون إظهار الخطط المجهزة لنوع كهذا من الاتفاقات، وخصوصاً بالنسبة إلى دولةٍ تعيش على المساعدات الغذائية كمصر. أما الكويت وقطر، فتطاردان الصفقات الغذائية للحصول على حقول الأرز في كمبوديا.
لم يبذل المشترون مجهوداً لإقناع الباعة وأصحاب الأراضي في الدول النامية باستئجار أراضيهم، مستفيدين من يأسهم من تنفيذ الخطط التنمويّة. وهذا ما مهّد الطريق أمام المستثمرين الذين مثّل حضورهم بالنسبة إلى الكثيرين في الدول النامية طوق نجاةٍ إصلاحياً، كيف لا؟ حين يرى وزير الإصلاح الزراعي في مدغشقر أن «الدخل الناتج من اتفاقيات تأجير الأراضي سيدعم مشاريع البنى التحتية ويؤهل المناطق المتضررة من الفيضانات». من جانبها، تحاول إثيوبيا كسب رضى المستثمرين السعوديين، أما السودان فتحاول جذب المستثمرين لحوالى 900000 هكتار من أراضيها.
لاقت هذه الصفقات معارضة قوية من قبل هيئات المجتمع المدني والمنظمات العالمية التي تمثّل مصالح الفقراء، وعلى رأسهم رئيس منظمة الأمم المتحدة للزراعة والتغذية جاك ضيوف، الذي حذر من أن الارتفاع في صفقات الأرض يمكن أن يخلق شكلاً من «الاستعمار الجديد»، وأهم مظاهره استفادة شعوب الدول الغنيّة من الغذاء الذي يزرعه فلّاحو الدول الفقيرة، من دون استفادة شعوب هذه البلدان من حقهم الطبيعي في ما تنتجه أرضهم.
تكمن المفارقة، بحسب أحد الباحثين، في أن التفاوض على الأرض يكون شيئاً مقبولاً أو جيّداً، عندما يكون طرفاه متساويين، إذ ستكون النتيجة ثلاثيّة الأبعاد: تفعيل الاستثمار، وتثبيت الأسعار، وتشجيع التسويق وتسهيله. ولكن في حالته غير المتوازنة حالياً، سيأخذ مكان صغار المزارعين الذين سيخسرون بالطبع، وخصوصاً أن تفاصيل هذه الصفقات تبقى مكتومة عنهم.
يبقى الخطر الاقتصادي الناجم عن هذه المفاوضات أسهل من خطرها السياسي، إذ إن الاستثمارات الخطأ قد تخلق أسياداً جدداً لأراض طالما كانت ملكاً للدولة. يبدو مثالا كمبوديا وفيتنام شاهدين على صوابية هذه الفكرة. فبعد انتقالهما من النظام الشيوعي إلى الرأسمالي، لم تعطيا حق الملكية الخاصة للمواطنين، بل لمستثمرين من الخليج. أمّا في تايلاند التي منعت حق امتلاك أراض لغير المواطنين، فقد عقدت اتفاقية مع مستثمرين سعوديين لاستئجار أراضٍ حيث سيزرع الأرز البسمتي، مما فعّل مشاريع تصدير الأرز. غير أن هذه الاتفاقية رفضتها جمعية المزارعين التايلاندية، لأنها بحسب الجمعية، تعرّض مصدر عيش المزارع التايلاندي للخطر.