عرض مشاركة واحدة
قديم 09-14-2011, 08:58 AM   #6
مراقب عام القسم التاريخي


الصورة الرمزية السوقي الأسدي
السوقي الأسدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 45
 تاريخ التسجيل :  Feb 2009
 أخر زيارة : 07-18-2016 (12:24 PM)
 المشاركات : 1,152 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: رعود العشي المطرة المزن بلآلي من مآثر قبيلة كل جنششي



المدخل:
وابن اللبون إذا ما لز في قرن**لم يستطع صولة البزل القناعيس
هذا حق، لذا إنني لما سهل الله عليّ وسائل السفر، شرفني بصحبتي شيخي المؤرخ ربيعة الرأي عبد الله الإدريسي السوقي المرسي ـ جزاه الله عني خير ما جزى من صنع معروفا.
الذي لما أخبرته برغبتي في تشرف الرحلة بصحبته تفضل عليّ مشكورا بتحقيق الرغبة.
ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
فمددت إليه يد المناصحة، قبل انطلاق الرحلة، فبذل منها من النفائس درراً، ثم صافحته بمناصحة أخرى الخاصة بالتوجيهات الكريمات المتعلقة بالعادات الحسان المعمول بها لدى القبائل في صحراء أسياد الصحراء ـ مضارب الطوارق.
وذلك تجنباً لوقوع أخطاء من طاقم الرحلة في عادات قبائلنا الكرام، لقول القائل:
إن الأمور إذا الأحداث دبرها**دون الشيوخ ترى في جلها خللا
وكان معي بعض النشأة من شباب الحي من السوقيين، ليستفيد كل منا ما يحسن الالتزام به للكرام إذا سافروا إلى قبائل قرابتهم الكرام.
ثم أسندت إليه حسن الرعاية الاجتماعية المتعلقة بالتقاليد العرفية الحسنة ـ حسب ما أدرك عليه الرعيل الأول يتقيد به من الأعراف التي لها أصول في ديننا الحنيف من مواطن الحياء وما في معناها..
من منطلقة انطلاق الرحلة إلى حين العودة ـ بإذن الله ـ إذ الدين النصيحة.
مشعراً الجميع أن شيخي ربيعة الرأي هو أمير الرحلة وسيدها إضافة إلى بذل المجهود الحسن في حسن خدمته.
ثم انطلقنا ضحى في جو ماتع ممتع، إذ كان ربيعة الرأي شيخي قد وصل في عقود مضت ـ نحو خمسين سنة ـ بعض القبائل القاطنة في تغارست فيخبرني عن بعضها بخبر ثقة مرضي الحديث مقنع.
لا يخلو من دروس اجتماعية جمة وفوائد وعبر، وشحذ للهم وتشويق وتارة في تواريخ من غبر.
قلت: ليس هنا موطن نظمها في سلك الخرزات، فصبر جميل أخي القارئ الكريم إذ كل ما هو آت آت.
هذا ولما كان سائق السيارة ممن شهد له بمعرفة الطريق، طلبت منه أن يخبرنا بأسماء الأماكن التي نمر عليها أثناء السفر إلى منطقة تغارست، من باب العلم بها، وبمعرفة أسماء البلدان.
فشرع في إخبارنا بها، بدءً بمنطقة أَجُورا، وما يتصل بها من فضاء صحراوي واسع إلى منطقة ((إنَلاتا..))
وهو واد، هو وقيعانه، يتسم بخطورة تجاوزه ذهاباً أو إيابا، إذا أصاب أرضه مطر وابل أو طل، كما أخبرنا السائق به، وهو من الأخبار المقول عنها:
يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما**قد حدثوك فما راء كمن سمعا
إذ تغنيك آثار تغريزات السيارات فيه زمن الأمطار، حتى كأن بعضها حفريات طينية عميقة واسعة.
ومن الفرص الحميدة أن تجاوزناه على معنى المثل المشهور: المغرور لا يمدح وإن سلم.
إذ مررنا عليه وهو بعيد عهد بالمطر ففتحت لنا أبواب السلامة منه المغلقة حين العودة.
إذ لما عدنا استقبلتنا رياح وأتربة شديدة الضباب وسحب رعدية وبرق صيبة من بعد منطقة ((تِينْ تَدَيْني)) إلى صحراء جبال ((فَنْتَرو))، ثم ((إنَلاتا)) الذي وصل بنا شدة المطر، وضباب أتربة أرياحه مبلغ الليل بظلمته فاجتمع علينا ليلان مظلمان، رياح الأمطار الشديدة الضباب ودخول ليل مظلم بنفسه، إلاّ أن من منن الله علينا ما نبصر به من مصابيح لامعة من البرق الشديد الضياء، ورعود يتعظ بشدة أصواتها الأتقياء، بعد أن يتحقق السلامة منها من على ظهر أرضها من الأحياء..
وكان السائق حذراً أن نتعطل فيسابق المطر إلى وادي إنلاتا وقيعانه، وإذا نحن تصرفنا مشيئة الله النافذة عن تحقيق منى السائق، إذ اشتد المطر وانهمر بالسيول من كل حدب وصوب، على نحو قول من قال:
فإن كان شراً سار يوما وليلة**وإن كان خيرا أبطأ السير أربعا
إلا أننا لا نقول إلا ما يرضي الله ـ جل في علاه ـ كما قال نبي الهدى والرحمة: عجبا لأمر المؤمن كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.
فلما سبقتنا السيول بالاتصال بالوادي، إضافة إلى كثرة تزلقات السيارة التي بلغت حد فقد السائق على السيطرة، عند ذلك اضطررنا إلى الخروج من هذا المأزق فاتجهنا إلى سواحل التلال ضواحي الوادي فإذا نحن بضوء نار على مرتفعات من الربى، واغتنمناه من النعم الضافية، فلما وصلناها بعد شدة وعناء من ظلمة الليل وماء الأمطار التي بلغت في شدتها أن الأرض لم تستطع بلعها.
كالبرق من وابل متتابع**جودا وآخر ما يجود بالماء
وبمناسبة أمطار هذه الرعود انتزعت منها اسم: عنوان هذه الترجمة: رعود العشي...
هذا فلما بلغنا موطن النار فإذ هي نار لرعاة من قبيلة: ((إكُورْشانْ)) إحدى القبائل من المجتمعات الطارقية.
قلت: ومعنى: إكورشان. ليسوا عبيدا لأحد. وهي كلمة مركبة من كلمتين، إحداهما: إكو.
والثانية: رشان. أصلها: باللغة الطارقية: وَرَتْوَكْرَشَن. أي: ليسو عبيدا بل هم أحرار كغيرهم من الأحرار.
لكن لفظة: إكورشان. مبنية على كلمتين كما سبق إحداها كلمة سنغاي، وهي: أكو.
والثانية طارقية متصرف فيها.
والمعنى واحد إذ سنغي نقلوها من معنى التركيب الطارقي للكلمة إلى لغتهم، ومعناهما في اللغتين واحد، كما تقدم بيانه.
قلت: وغلب التركيب السنغاي الطارقي على التركيب اللغوي الطارقي المحض، إذ أكثر سكان قرى تغارست من سنغاي، فكثر النطق بالتركيب المزجي الطارقي السنغاي.
وقد أفادني بتاريخ هذه القبيلة التي منها المعلومات الآنفة الذكر أحد كبار سنهم في تغاروس، وهو من حواشي السيد أتا بن السيد هود، وكان كثيراً ما يداخل السيد أتا، وقد ارتضيته لما ارتضى النقل عنه السيد أتا العضو البرلماني لتغارست حين نقلت عنه ترجمة والده السيد هود، وستأتي ـ بإذن الله ـ تحت عنوان: البدر المشهود في سيرة السيد الشريف هود.
ورجوعاً إلى ما نحن بصدده أن رعاة هذه القبيلة استقبلونا بالحفاوة والاكرام في ليلة مطرة مظلة، وقد عرفوا بعض من معنا من الخدم المتعاونين مع السائق في مهمات السفر، لأن بعضهم يقطن في مدينة قوسي من معارفهم، فاستأنسوا بهم، مبتدرين بمقدمات الضيافة الحميدة، ومنها حليب صحي لذيذ، وأوقدوا النار وشرع في الشاي الأخضر، وكنت أنا وشيخي ربيعة الرأي ممن اختار قسطا من الراحة، إذ أقيظونا من رقدة طبية إثر أتعاب المعانات المشار إلى بعضها آنفا، فاخترنا راحة النوم على ملذات كرم الضيافة، لأننا لسنا من تميم قطعا.
وبعد ما انتهوا ونام من نام بعد ذاهب عامة الليل، فإذا موقظن يوقظنا ادخلوا البيت فقد جاءكم المطر، فلما اطمأننت بأن شيخي ربيعة الرأي دخل الخيمة، وهي خيمة طارقية لطيفة من جلود الأنعام، عند ذلك اخترت أنام في السيارة في المقاعد الخلفية، وسيارتنا من نوع جيب ـ بُلْبُلْْ.
وكأن الشاعر عناني بقوله:
يا أيتها النفس أجملي جزعا**إن الذي تحذرين قد وقعا
إذ أصبحنا بوادي امتلأت أجادبه بالماء، وسالت أوديته، فانقطعت بنا السبل بمياه مطر بدأ أواخر العصر أمس وانتهى بانتهاء آخر ليله.
لكن الله الميسر ـ سبحانه ـ هو الذي سهل لنا بتيسيره تجاوز وادي ((إنلاتا)) بعد عناء وتعب من تغريزات السيارة في غير ما موضع، مع توغل السائق الخريت في السواحل إلى أن وجدنا مخرجا بعد مخرج من مخرج ـ حسب اتخيارات اضطرارية تلتمس مواطن اليبس نوعا ما من منطقة وادي إنلاتا.
والقوم أشباه وبين حلومهم**بون كذاك تتفاضل الأشياء



 
 توقيع : السوقي الأسدي

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ
(الحشر:10)
.................................................. .........................
اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدَكِ وَارْحَمْنِي ، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ


رد مع اقتباس