الذيل
إنه لما كان من شغلي الشاغل ـ اللهم اشغلني بطاعتك ـ زيارات مواطن القبائل من قبل، في مناطقها في أزواد...
كان زيارتها بالنسبة لي في مخيماتها في اللاجئين أولى، وأسهل لي...
لذا فلما نزلت في بركينافاسو كما تقدمت إشارة النزل، اتجهت إليهم بدء بولاية جيبو، التي تحتضن الآلاف من اللاجئين من مختلف سكان أزواد ـ نسأل الله أن يردهم إلى مواطنهم معززين ومكرمين.
وكل لاجئ من أفقنا في كل موطن لجئ إليه، ولاجئ كل بلد مسلم إلى وطنه سالما غانما.
وعلى كل حال فإني لما نزلت في اللاجئين في ولاية جيبو، سألت عن أسماء قبائل أزواد المتواجدة في مخيمات جيبو، خاصة قبائل السوقيين...
فلما أخبرت بما أخبرني به معارفي، ومن في معناهم ممن زارني من أفراد بعض تلك القبائل هناك.
فقمت بزيارة جملة منها، ما أمكنني من قبائل إموشاغ، وإمغاد، وإنسلمن، وغيرهم...
فضلا عن قراباتي ـ قبائل السوقيين المتواجدة في مخيم جيبو...
بل إنه لم تبق قبيلة من قبائل السوقيين فيه إلا زرتها، أو بيتا من بيوتاتها سمعت به هناك إلا تشرفت بزيارته...
وكان من بينها بيت كريم من آل يحيى ـ ملخيا ـ بيت: الشيخ الشهير عليُّ بن سيد أحمد بن الشيخ محمد الأنصاري اليحيوي ـ حفظه الله تعالى.
فذهبت إليه في سيارة لبعده عن مقر إقامتي بين ظهراني بيوتات من قبائلنا أيضا...
فكان وقت زيارتنا للشيخ عليُّ اليحيوي ضحى.
هذا ولما جئناه فإذا منزله الواسع الخيمة ـ اللهم زد وبارك ـ مكتظ برجالات من أوزاع القبائل، في اجتماع على وفد من جهة هيئة إغاثية غربية مشرفة على اللاجئين...
ومع ذلك فإنه أقبل إلينا ليشرفنا بالتحايا العطرة، وترحيبات يفوح منها المسك الزكي من الانشراح والسرور على جبهة وجه براق الأسارير النيرة.
وإذا الدر زان حسن وجه***كان للدر حسن وجهك زينا
فجلست قدر نصف ساعة، مراعاة للاجتماع المنعقد قبل مجيئنا له، ثم استأذنته فوعدته بزيارة أخرى محددة الوقت، وقد تيسرت في وقتها ـ ولله الحمد.
فلما التقينا به عصرا، فإذا هو ممن صافح حسن معاني إكرام الضيف، على فرش جليلة، وزرابي جميلة...
فاغتنمت فرصة الوقت بين النقل والرواية عنه، وبين جمل معترضة بأسنى تحيات المحبة والقرابة:
تحية أبرق الشوق الشديد بها***في سلك ود بأقصى الروح ينتظم
ولما حان البين أحالني إلى مليئ ـ اللهم زد وبارك ـ وهو الشيخ الفاضل الشهير محمد ـ إفدت اليحيوي، بقوله: إنه أحفظ وأعلم وقال في حق نظيره القول المختار من المعاني الجميلة النعت، حقا إنه: لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذووه....
فدت نفسي وما ملكت يميني***فوارس صدقت فيهم ظنوني
هذا فما من قبيلة زرتها قديما أو حديثا إلا حرصت كل الحصر على تقييد ما مضى من شرف مجدها عن مشاهير رجالتها الثقات الأعيان...
كما أحرص كل الحصر على تقييد ما وقفت عليه أنا في أرض الواقع من فضل وشرف مقام من زرته فيها، لأجمع الحسنين في حق مجد تلك القبيلة بنشر ذلك على ضوء قول من قال: وينثني عنكم ينث البرا.
مخلصا لهم في نشر فضل ما وقفت عليه أو قيدته، لا لأجل شيء ـ ولله الحمد والفضل والمنة ـ بعد النظر في زواجر آية: وقفوهم إنهم مسئولون.
إلا لكوني نزلت نفسي كما هو الواقع أحد أبناء تلك القبيلة أيا كانت من غير السوقيين، فضلا عن قراباتنا ـ قبائل السوقيين ذات المجد الباهر والفضل الظاهر.
فكل ما صادفني شيء من جهة أي قبيلة على خلاف ما أنا حريص على تقييده ونشره كما مضى بيانه آنفا ضربت عن ذكره صفحا، وعززت نفسي بعد الإعراض عنه بقول من قال: وكل إناء بما فيه ينضح
فرسمت ذلك نهجا في معرض التعامل مع الغير، خاصة أبناء قبائل أفقنا، ولا سيما أبناء القرابات في قبائلنا الكرام...
لذا فها نحن اليوم في دور نشر ما ظفرنا عليه من درر مآثر ومناقب قبيلة: ملحيا ـ آل يحيى، أودعه في دواوين منتديات مدينة السوق التاريخية الموثقة، على نهج قول من قال:
ومن الغباوة أن تصيد غزالة***فتتركها بين الأنام طالقة