التمهيد
إن السير والتراجم أولاها الاهتمام أولو النهى والألباب، من السلف والخلف ما بلغ ـ بفنها أهمية وحسنا ـ مبلغ العجب العجاب.
هذا ولقد دل ذلك على تمتع هذا الفن بفوائد جليلة الحكم، مؤصلة من الوحي المبين المحكم.
فدرج على نهج لقطها كل كاتب أديب، وجرى على نظم خرزها في سلك نظم الدرر التاريخية كل مخلص شفيق لبيب.
فكم من كتاب حوى سير أعلام النبلاء، فاحتوى على ذخائر من حسان شمائل الألباء.
لذا قلما تجد قارئها المطلع على نفائس منها إلا وهو يتقمص شخصية من شخصيات أولئكم الفضلاء النجباء، فيحظى بمقام المقتدى به وسما بعد أن حذا ـ إن وفق في الحذو وسلم من العثرات مأخذا.
هذا فكل من له أدنى اطلاع في هذا الفن يجد أنه قل أن يلفي قارئا من قراء هذا الفن، إلا وهو يتأثر بمن يقرأ سريته الحسنى المعجب بها في السير، فمستقل ـ حسب اطلاعه ـ ومستكثر.
كما أنه يجد من له أدنى اطلاع أيضا فيه أن أشد الناس تأثرا بكل ذي خصلة حميدة، من ورثها بقرابة أصيلة مجيدة.
فعن مثله يقول من قال:
بأبه اقتدى عدي في الكرم***ومن يشابه أبه فما ظلم
وهناك فرائد أخرى جليلة جميلة من المجربات، جعلتني كغيري يخوض في جمع محاميد خصال القرابات.
إذ من قول الحق والحقيقة، أن قبائل السوقيين ممن ضرب أروع الأمثلة في كل منقبة جميلة جليلة لطيفة رقيقة.
في العلم والفضل والديانة والسياسة الشرعية والاجتماعية، حتى كأنهم المعنيون بقول من قال:
تلك آثارنا تدل علينا***فانظروا بعدنا إلى الآثار
وكنت قد جمعت ما جمعت، ونشرت منه ما نشرت ـ فلله المنة والحمد ـ فها أنا ذا في المضي قدما على ذلك السير: سير ذي رشد.
في حق بعض قبائلنا ذات المقام الشريف، والفضل الظاهر القديم الحديث المنيف.
إنه قبيلة: ملخيا ـ آل يحيى ـ القبيلة السوقية الشهيرة المآثر ـ حي إذا قصدته تلفي المكارم دررا حصانا عن أن تمس بسوء عثرات الأجيال فلا خوف.
إنها قبيلة حقا لما زرتها أحيت معنى من معاني استحقاق المدح والخلال الحميدة بقول الحطيئة في ممدوحيه: قوم هم الأنف...
فلينقل التاريخ إلى الأجيال عني ـ دهرا دهرا ـ فضلهم الجليل على لسان من قال:
ومن يشتر أثمان المكارم يحمد