عرض مشاركة واحدة
قديم 09-20-2012, 01:03 PM   #5


الصورة الرمزية عبادي السوقي
عبادي السوقي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 96
 تاريخ التسجيل :  Jun 2009
 أخر زيارة : 05-02-2024 (09:53 AM)
 المشاركات : 386 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: خمسون عاماً على إبطال الرقيق: قصة تجارة العبيد في الحجاز [1855 -1962م]



يتبع ..

كما جاء بتحرير الرقيق عن طريق المكاتبة ، وهي حق يطالب فيه الرقيق بحريته في مكاتبة من يملكه ، وهو حق كفلته له الشريعة الإسلامية ، وقد ورد فيالحديث الشريف ما نصه :"من أعان مجاهدًا في سبيل الله ، أو غارمًا في عسرته، أو مكاتبًا في رقبته ،أظله الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله"(35 ).

كما أن قصة أم المؤمنين جويرية ،قد جسدت أيضاً هذا الحديث أجمل تجسيد ، وجويرية هذه ، هي جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار من بني المصطلق ، التي كانت سيدة نساء قومها ، وكان أبوها قائد بني المصطلق ، الذين جمعوا لقتال النبي محمد صل الله عليه وسلم ، فقد سبيت يوم المريسيع ، من ناحية قديد إلى الساحل ، وهي غزوة بني المصطلق في سنة خمس من الهجرة ، حيث هزم الله بني المصطلق ، وأصاب من المشاركين في تلك المعركة منهم سبياً كثيراً ،و كانت جويرية ممن أصابهن السبي من النساء المشاركات ، فوقعت بعد توزيع الغنائم في سهم ثابت بن قيس بن الشماس ، أو لأبن عمه ، وكان قد قتل زوجها ، مسافع بن صفوان بن ذي الشفر في تلك الغزوة ، فكاتبت على نفسها ، لتخلص نفسها من الرق و الاستعباد ، ولم يكن معها ما كاتبت عليه ، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليعينها على ذلك ، فرد عليها بما هو أفضل ، إذ عرض عليها الزواج منها ، وقضاء مكاتبتها ، فأجابت بالقبول ،وأسلمت ،وحسن إسلامها . وهنا نلاحظ حكمة النبي محمد صل الله عليه وسلم ، من زواجه بجويرية ، وذلك لمعالجة الآثار النفسية الصعبة ، والفجوة الإنسانية ، لتلك الفترات الاستثنائية التي عاشتها جويرية ، لمفارقتها لأباها ،وزوجها، وقومها ، ومساعدتها على معايشة تلك المرحلة النفسية ، بعد هزيمة قومها ، وهذا ما حصل مع جويرية ، لأن مرحلة ما بعد الحروب ، أشد وطأة من الحروب ذاتها ، كما أن هذه القصة ،تكشف لنا سمو مقاصد النبي صل الله عليه وسلم ، من وراء بعض زيجاته . وسمو اهتمامات الشريعة الإسلامية ، بقضية مراعاة واحترام النفس البشرية ، سواء للعبيد أو الجواري ، لذلك فقد عادت الحالة الطبيعية ،الاجتماعية ، والنفسية ، لجويرية ، وبصورة كاملة، بل إن حالها تجاوز ما هو أبعد من ذلك، لتكون أماً للمؤمنين ، ظافرة بكثرة ذكر ربها ، فقد جاء في الحديث أن النبيصل الله عليه وسلم، خرج من عندها وهي في مصلاها، ثم رجع حين تعالى النهار، وهي ما زالت في مكانها تذكر الله، فقال لها: " لم تزالي في مصلاك منذ خرجت ؟ ،فأجابته: نعم، فقال لها صل الله عليه وسلم: قد قلت بعدكِ أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته"(36 ) .

ومن الأمور السامية ، والغايات النبيلة ، التي وجهة إليها الشريعة الإسلامية ، أنه في حال ظفر المسلمين بسبايا كافرات ، من خلال الحروب الدينية المشروعة ، ورأى إمام المسلمين الكفء ، العالم بأحكام هذه الأمور ، أن من الخير والمصلحة ، أن ترد السبايا إلى قومهن ، جاز له ذلك .

أيضاً من الطرق والوسائل التي أوجدها الإسلام ، لتحقيق عتق الرقاب ، هي تخصيص جزءاً من أموال زكاة المسلمين ، لعتقها

والمتأمل بتمعن ، لكثرة سبل العتق ، في الشريعة الإسلامية ، يلحظ أن من مقاصد الإسلام ، هو إنهاء جميع حالات الرق ، بشرط تحقق صلاح أمور العباد ، وتحقيق مبدأ العدالة الإلهية ( العدالة الكونية ، العدالة الشرعية ) ، وقد ذكر القرآن الكريم آيات صريحة الدلالة ، ظاهرة المعنى ، مبينتاً هذا المقصد الإسلامي النبيل ، قال الله تعالى ( وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (37 ) .

أي أنه سيأتي اليوم الذي لا تجد فيه رقاباً للعتق ، وحالات الرقاب هذه ، هي الحالة التي جاءت على نهج الطريقة الإسلامية الصحيحة، التي ذكرها القرآن الكريم ، وبينتها تعاليم ديننا الإسلامي ، وسار على نهجها الرسول صل الله عليه وسلم ،وصحابته أجمعين ،والتابعين ، ومن سار على نهجهم ، الذين نقل لنا التاريخ ، طريقتهم الصحيحة التي ساروا عليها ، عند تعاملهم مع ظاهر العبيد والجواري، التي تنبأ عن حسن إدراكهم لمراد الحكمة الإلهية من سلب الحرية ، وحسن استيعابهم لمفهوم الرق والاستعباد ، وليس على ما وجد متأخراً ، و يوجد حالياً في بلاد ومجتمعات المسلمين ، الذين مارسوا هذه الظاهرة ،على أساس من الفهم والتصور الخاطئ ، الذي اعتبروه واقع الشريعة ، بينما هو مخالفة شرعية صريحة ، وإخلال لمبدأ العدالة الإلهية ، ونوع من أنواع الاستغلال البشري ، الذي لا يمت إلى الإسلام بأي صلة ، وهذا ما لا يجوز شرعاً ، و يوجب تشويه سمعة الإسلام والمسلمين ، والبعد عن الهدف الإسلامي النبيل .

وكان على المسلمين المتأخرين ،أن يتمسكوا بالطريقة التي شرعها الله ، وأمر بها نبيه محمد صل الله عليه وسلم ، ولكن مما يؤسف له ،أنهم لم يستوعبوا المعنى الحقيقي ، لمفهوم الرق والاستعباد في الإسلام ، ولم يوفقوا لذلك ، وواضح أن ما نص عليه الإسلام ، وسار عليه محمد صل الله عليه وسلم شيء ، وأن ممارساتهم التاريخية لهذه الظاهرة شيء آخر .



 
 توقيع : عبادي السوقي

أبحث عن الحقيقة شارك في صنع حياه مثاليه أمتلك المعرفة فإن هناك من يحاول إخفائها عنك حتى تظل أسيرا له


رد مع اقتباس