عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 12-06-2010, 11:07 AM
عبادي السوقي غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 96
 تاريخ التسجيل : Jun 2009
 فترة الأقامة : 5460 يوم
 أخر زيارة : 05-02-2024 (09:53 AM)
 المشاركات : 386 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : عبادي السوقي is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي الشوفينية والشيفونية الجديدة



الشوفينية والشيفونية الجديدة

د.جبار قادر


الشوفينية تعني أصلا المغالاة في حب الوطن أوالأمة التي ينتمي اليها الأنسان. ومع مرور الزمن أصبحت صفة تلصق بالأشخاص المتعصبين لقوميتهم والذين يتعاملون بصورة إستعلائية إزاء الأمم والشعوب الأخرى. كثيرا ما يعتبر هؤلاء شعوبهم شعوبا مختارة لأداء رسالات سامية، بينما تحتل الشعوب الأخرى برأيهم مواقع دونية. ومن هنا فهم ينكرون على الأمم الأخرى الحقوق والتطلعات التي يعتبرونها شرعية لشعوبهم. وتؤدي الشوفينية في نهاية المطاف الى تبني المفاهيم العنصرية والتمييز العنصري. ويمكننا القول بأن الشوفينية كانت دائما وراء زرع بذور الفرقة والخصام بين الشعوب والأمم المتعايشة مع بعضها وتسببت في كوارث أنسانية كبرى وبخاصة خلال القرنين الأخيرين. فالشوفينية الألمانية أفرزت هتلر والهتلرية المعادية للجنس البشري. ولا تختلف الشوفينية التركية التي أنجبت الأتحاد والترقي والكمالية كثيرا في مبادئها وتطبيقاتها عن شقيقتها الهتلرية. ويمكن القول بأن الشوفينية العربية بصورتها البعثية الصدامية تجاوزت حتى النازية الهتلرية في تطبيقاتها على الأرض العراقية. وتثير الشوفينية عادة ردود فعل قوية لدى الشعوب المجاورة أوالتي تجمعها دولة أوجغرافية واحدة. مع سيادة الشوفينية في أي بلد متعدد القوميات يصبح التعايش صعبا بين مكونات ذلك البلد. فمع تبني الأتراك في دولة آل عثمان للمفاهيم الشوفينية أخذت الشعوب الأخرى في الأمبراطورية تبحث بدورها عن جذورها القومية وتتمسك بلغاتها وثقافاتها. ومع مرور الزمن كان لا بد أن يحدث الأصطدام بين العناصر القومية المختلفة في الدولة العثمانية الأمر الذي أدى الى تفتتها وإنهيارها وظهور الكيانات السياسية الجديدة على أنقاضها. وكان من بين هذه الشعوب العرب، الكرد، الأرمن وغيرهم.
لم تشهد الولايات التي تشكل منها العراق فيما بعد بسبب تنوع سكانه قوميا ودينيا ومذهبيا وثقافيا وتعايشهم الأجتماعي مع بعضهم إنتشارا يستحق الذكر لهذه الأفكار. وأثارت سياسات الأتحاديين العنصرية ردود فعل السكان بل وترحيبهم بالقوات البريطانية للتخلص من الحكم العثماني القروسطي المتخلف. ولم يعتنق الفكر القومي العربي بصوره الشوفينية في العراق إلا بعض المثقفين المتأثرين بالفكر الأوربي لذلك بقي محصورا في دائرة نخبة سياسية وثقافية ضيقة ولم يصبح فكرا سائدا في المجتمع العراقي. وكانت هذه النخبة تتحرك بحذر شديد لكي لا تثير ردود فعل المكونات الأثنية الأخرى في المجتمع. ومع جميع محاولات البعث خلال العقود الأربعة الأخيرة لفرض الشوفينية القومية بالقوة الغاشمة ومن الأعلى الى الأسفل على المجتمع العراقي إلا أنه لم يتمكن من تحقيق ذلك على نطاق واسع. فقد بقي الناس والذين عاشوا في عصر ما قبل البعث وسيادة الشوفينية يحملون أفكار وقيم التسامح والتعايش وينقلونها الى أبنائهم وأحفادهم دون تكلف.
وتكون الشوفينية عادة من سمات الحركات القومية للأمم السائدة لأنها صاحبة الحل والعقد والأمتيازات. وقلما يمكن أن نلصق صفة الشوفينية بالحركات القومية للأمم المضطهدة والتي تناضل من أجل المساواة والحقوق القومية المشروعة.
الملاحظ أن الشوفينيين كانوا يتعمقون في دراسة تاريخ شعوبهم وآدابها وثقافاتها وبالتالي فإن تغنيهم بسيادة أمتهم أورسالتها الخالدة أوكونها أمة مختارة من قبل الله وما الى ذلك من الأفكار كان قائما على الأستناد الى مجموعة من التفسيرات والشواهد التاريخية أوالثقافية. كما كانوا يدرسون تاريخ وثقافة الأمة الأخرى والتي يضطهدونها أويريدون أن يقللوا من شأنها للبحث عن اسانيد تأريخية وثقافية وإجتماعية تدعم طروحاتهم وتوجهاتم الشوفينية.
على العكس من تلك النخب التي حملت الأفكار الشوفينية منذ الثلاثينات وحتى السبعينات نرى بأن حملة راية الشوفينية اليوم يتشكلون من الجهلة والأميين. فهم إما لا يقرأون أويقرأون ولا يفهمون ما يقرأونه. يعاني هؤلاء من الأحباط الشديد لأنهم ورغم إضفاء الألقاب الكبيرة عليهم من لدن أناس أكثر جهلا منهم، يعرفون في قرارة أنفسهم أنهم صغار وأميون. ويمكن أن نطلق على هؤلاء لقب ( الشيفونيين) على حد تعبير أحد البسطاء من ضحايا الشوفينية.
من الصفات الرئيسية للشيفوني الجديد الجهل والتخفي تحت الأسماء المستعارة أونشر مقالات وقصائد ورسائل دعم وتأييد لنفسه وعن عمق كتاباته وتحليلاته بأسماء وهمية. كما يتصف الشيفوني المعاصر بأخلاقيات مقارعة الحجة بالشتائم والمكاشفة بالتخفي والشفافية بالضبابية والشجاعة الأدبية بالجبن والتخفي. ويجند الشيفوني عادة جوقة من الجهلة والأغبياء لدعم (نظرياته وإكتشافاته العلمية ) وإثارة الزوابع في الفناجين وتزوير الأحداث والمناسبات دون أية أسانيد. يحاول هذا الشيفوني الجديد أحيانا تمثيل صفة العالم والباحث ولكن دون فائدة، لأنه مغرور ودعي ويزعم إمتلاك الحقيقة، بينما العالم الحقيقي متواضع، فالتواضع زينة العلماء كما يقال. والعالم الحق يدرك أن الحقيقة مشاعة لكل الناس ولا يمكن لأحد أن يدعي إمكتلآكها. كما لا يمكن لأحد إطلاقا ومهما بلغت معارفه الزعم بأن ما يقوله هي الحقيقة المطلقة. ولكن تبقى أهم صفات الشيفوني المعاصر هوالكذب والكذب حتى النهاية.
وقدر تعلق الأمر بمغامرات هذا النفر من الشيفونيين الجدد في فضاءات القضية الكردية يمكن القول بأن بإمكانهم مناقشتك حول مبادئ وبديهيات تتعلق بالكرد وبلادهم وتاريخهم جرى التحقق منها من قبل الباحثين والعلماء قبل أكثر من قرن وصدرت بصددها عشرات أن لم نقل المئات من الكتب والدراسات الرصينة. ولكن مشكلة هؤلاء الشيفونيين تكمن في أنهم لا يقرأون ويعتقدون بأن مجرد الأشارة الى بعض المراجع وإقتباس نصوص مبتورة وخارج سياقاتها لدعم طروحات يؤمنون بها عن سابق إصرار، تجعل من هلوساتهم بحوثا علمية رصينة كفيلة برفعهم الى مصاف المفكرين. ويعتقدون خطأ بأن نشر هذه الطروحات على صفحات جرائد صفراء ومن خلال شاشات محطات تلفزيونية تخصصت في نشر الأكاذيب والأخبار المثيرة، تجعل منها أعمالا خالدة.
أعتقد بأن ظاهرة الشيفونيين الجدد مؤقتة ومآلها الى الزوال ولن تجد كتاباتهم مستقرا لها سوى مزبلة التاريخ وفي أحسن الأحوال ( عربة التاريخ!) التي سجلت بعد (العلوج ) بإسم صاحبها محمد سعيد الصحاف.

16-10-2003



 توقيع : عبادي السوقي

أبحث عن الحقيقة شارك في صنع حياه مثاليه أمتلك المعرفة فإن هناك من يحاول إخفائها عنك حتى تظل أسيرا له

رد مع اقتباس