عرض مشاركة واحدة
قديم 05-13-2009, 06:23 PM   #4
عضو مؤسس


الصورة الرمزية م الإدريسي
م الإدريسي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 61
 تاريخ التسجيل :  Mar 2009
 أخر زيارة : 09-06-2012 (03:33 PM)
 المشاركات : 419 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي سكر وشكر



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
************************************************** ************
أعلق على مقالك هنا-أخي الكريم محمد الحسني- متجردا من جميع الأحاسيس , وفارغ الصدر من جميع العواطف , إلا عاطفة واحدة أسكرتني براحها الحلال , ونفخت مني روحا جديدة , تتسامى عن الكلال والملال , بإذن الواحد المتعال ,إنها عاطفة المحبة الصادقة , والاعتزاز الخالص , مصبوغة بورس من الشكر العميق , لمولي النعم ومفيضها , ورافع الأمم بأمثالك إلى قمة العلياء بعد أن كانت في حضيضها ,.
أخي الحبيب , يا حضرة الأديب , إنني أجدك غنيا عن التزاكي المجانية , فقد أحرزتها باستحقاق وأهلية , فقد سلطت الأضواء في مقالك على حقيقة القضية , فهنيئا لك على هذه العبقرية .
أما عن التساؤلات التي طرحتها , فهي أيضا آخذة من الحقيقة بطرف , ولك على إثارتها كل شرف.
إن الأدب العربي في الصحراء الأزوادية , مثله في غيرها قبل الحملة الفرنسية , كان شعرا , تسيطر عليه المحاكاة والتقليد , بشكل واضح وجلي , وكانت الأغراض فيه ضيقة وشبه محدودة , كما كانت أغلب المعاني والأساليب مكررة , ومتكلفة في الغالب , يظهر فيها كونها صناعة يدوية , كما وصف به المنفلوطي بعض كتابات معاصريه , أكثر من كونها روحا أوحياة أو عاطفة حقيقية أو شعورا .
وكانت أهدافه في الغالب مجرد ممارسة لتطبيق معلومات لغوية وبلاغية , تم استبطانها أثناء الطلب ليس إلا .
وكأن القضية العظمى التي تمثل أمام الشاعر, أثناء معالجته لهذا الفن , هي إرسال رسالة إلى أستاذه أو محضرته , مفادها طمأنتهم على أن جهودهم في فترة التثقيف مثمرة , وتمثل القصيدة برهانا على هذه الدعوى .
وما دامت مقولة :( كل إناء بالذي فيه يرشح )مسلمة وصادقة , فلا نتوقع من مخرجات المحاضر الصحراوية أن ترشح بغير العربية وتطبيقاتها , على جميع مستوياتها وهذا ما وقع .
إن التثقيف المحضري عند السوقيين لا يمكن فهمه بأكثر من أنه مقاومة مستبسلة , إلا أنها غير شرسة , من أجل الإبقاء على العربية غضة طرية في صدور الأبناء .
لم يعتبر المحضري نفسه يوما من الأيام شاعرا بمعنى الكلمة , وإنما يعتبر نفسه قاموسا متنقلا .
لن تجد في شعر طلاب المحاضر الأزوادية مدحا , إلا لشيخه أو قرينه في العلم , وإن تجاوز هذين , فلن يعدو بيتا أو بيتين أو قصيدة أو قصيدتين , في مدح من قام بالواجب من إكرام هذين .
لن تجد في الشعر السوقي تشبيبا بمعين ؛ لأن المحضرة التي هي الفيصل في التقويم لا ترتاح لمثل هذا .
لن تجد في الشعر السوقي تملقا لصاحب منصب , فأغلب أصحاب المناصب لا يتفاعلون مع الخطاب العربي , وفي إتقان الشاعر للغة التخاطب المحلي ما يغنيه عن إهدار طاقته.
لن تجد في الشعر السوقي تعززا بمحل معين ؛ لأن قناعتهم الداخلية أنهم غرباء في التكرور من أجل الدعوة , ولا إحساس بالمواطن للغريب .
لن تجد في الشعر السوقي دعوة لحرب طائفية قائمة , فلم يمتهنوا غير وظيفة الإصلاح , من لدن وفودهم على الصحراء , بالإجماع .
قد لا تجد فيه دعوة لإصلاح بوجه خاص ؛ لأن طرفي النزاع لا يتفاعلون مع الخطاب العربي , وفي لغتهم المحلية غنى عن ذلك وهي متقنة عندهم بشكل مشهود له .
لن تجد في الشعر السوقي ما يبتعد عن معاني القصيدة العربية الأصيلة , فالقوم هم القوم والصحراء هي الصحراء .
لن تعدم في الشعر السوقي دعوة إلى الأخلاق الحميدة والمبدء الديني الذي يؤمن به الشاعر ؛ لأن الخطاب هنا موجه إلى أبناء المحضرة بالدرجة الأولى , وكلهم آذان للعربية.
لن تعدم في الشعر السوقي إبداعا على المستى الصوتي واللفظي على العموم ؛ لأن اللغة أمة من إمائهم , وهذا أمر مشهود.
عنصر الزمن غير غائب في الشعر السوقي على الإطلاق, إلا أن الأفق عندهم ضيق ومحدود .
فتجد قصائد في رفض المدارس الفرنسية , والابتهال إلى الله من أجل ألا تنجح في الصحراء ,
كما تجد قصائد في الحج بالطائرة -كما أشرتم إليه - وتجد قصائد تعرضت للأحداث التي يعتبرها الشاعر السوقي كبيرة ومؤثرة في حياته , حسب ميزانه الخاص , وليس حسب أي ميزان آخر , مثل السنوات العجاف , ووفيات الشيوخ الكبار , وهكذا .
لن تعدم في الشعر السوقي تفاعلا مع كل عنصر فكري يعتبرونه غريبا على فهمهم العام للدين بالرد أو التشجيع .
فهذه الأمور كلها تمنع من إطلاق أي وصف غير مدروس على الشعر العربي في الصحراء .
أما لما ذا لم يتطور الشعر في الصحراء الكبرى , فالإجابة عن هذا السؤال أرى أنها واضحة .
فبالرجوع إلى الأسباب التي أدت إلى تطور الشعر العربي في أماكنه الأخرى , فسندرك تلقائيا أن أيا منها لم يقع في الصحراء بل على العكس تماما .
حيث إن المفترض أن تكون العربية بكل الأشكال قد انقرضت من لدن عقود , فكل ما حول المحاضر حرب شعواء على العربية فليست هناك جرائد أنشئت بعد الاستعمار, ولا مطبعة عربية , ولا مجلة , ولا أحزاب عربية.
بل إن التهميش المتعمد الواضح المكشوف هو ما ضرب أطنابه على هذا العنصر, بعد رحيل الاستعمار .
وبعد ما بدأت النهضة في الصحراء إبان قيام الثورة , لم تكن ثقافية , ولو كانت ثقافية لن تكون الثقافة العربية من أولوياتها, وكل هذا واضح .
فما زالت أوضاع العربية في ترد ورجوع إلى الوراء في ربوع الصحراء , والظن أن المستمسكين بها سيكونون ضحيتها وينقرضون إن لم تتداركهم الرحمة عن قريب , وهذا الظن قريب من اليقين .
لم تقم مدرسة بعد الاستعمار في الصحراء ذات منهج حقيقي وجاد حتى اليوم.
لم يوجد من أبناء المحاضر من حمل رسالة الحفاظ على العربية وإحيائها ثم سعى في إيصالها إلى العالم حتى الآن.
لم تبتعث الدولة ولا غيرها مجموعة من أبناء المحاضرتحت رعاية جادة ؛ لتكوين عناصر عربية مواكبة للعصر حتى الآن .
لم توجد جمعية المثقفين العرب في الصحراء حتى الآن.
لم يوجد من يشجع تحقيق التراث العربي في الصحراء حتى الآن .
لا يلقى الحريص على العربية وحفظها وخدمتها إلا التهوين والتيئيس من المثقفين حتى الآن .
لا يحافظ على العربية إلا المحاضر والمدارس الأهلية حتى الآن .
فبالله قل لي : كيف يكون هناك تيارات في الأدب الصحراوي أو السوقي أو السوكي أو الأسوكي -سمه ما شئت -؟.
كيف تنقده على أساس أدب المهجر , ولا مهجر.
كيف تنقده على أساس أدب مابعد الاستعمار وما زال في استعمار؟.
كيف تنقده على أساس الحداثة ولا علاقة بينه وبين الحداثة أصلا؟ .
كيف تنقده على أساس المعاصرة وهو مازال خارج العصر ؟.
إنك حينما تتكلم عن الأدب العربي في الصحراء الأزوادية , تتكلم عن عنصر لم يؤخذ في الحسبان حينما تم تصنيف الأدب العربي فخذ ذلك في حسبانك .
إنك حينما تتكلم عن الأدب العربي في الصحراء , تتكلم عن أدب مخذول , أدب غريب , أدب محبوس ,أدب مزهود فيه , أدب لو كان أدبا لتأدب مع نفسه واختار الرحيل , أدب أحسن أوصافه أنه ( الأدب الصامد )وكفى.
أخي الحبيب !
إنني أشجع منك هذا الشعور وقد عرفت فالزم .
والله إن من يخدم العربية في بلاد غربتها لهو الخادم المبين للدين.
والله إن ماتت العربية فسيموت الدين قبلها بقليل .
والله إن أوقاتا أنفقتها في تعلم العربية حتى وصلت إلى درجة نقدها لأوقات نرجو أن تكون حسناتك فيها حسنات المجاهدين .
أخي الحبيب !
نحن مستعدون للتعاون معك في هذا المضمار بكل ما نستطيع فعملك عمل للجميع ولا تسمع من المخذلين .
فالأمر كله كما قالت العربية على لسان حافظ إبراهيم :

رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي=وناديت قومي فاحتسبت حياتي
رموني بعقم في الشباب وليتني=عقمت فلم أسمع لقول عداتي
ولدت فلما لم أجد لعرائسي=رجالا وأكفاء وأدت بناتي
وسعت كتاب الله لفظا وغاية=وما ضقت عن آي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة=وتنسيق أسماء لمخترعات
أنا البحر في أحشائه الدر كامن=فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني=ومنكم وإن عز الدواء أساتي
فلا تكلوني للزمان فإنني=أخاف عليكم أن تحين وفاتي
أرى لرجال الغرب عزا ومنعة=وكم عز أقوام بعز لغات
أتوا أهلهم بالمعجزات تفننا=فيا ليتكم تأتون بالكلمات
أيطربكم من جانب الغرب ناعب=ينادي بوأدي في ربيع حياتي
ولو تجزرون الطير يوما عرفتم=بما تحته من حسرة وشتات
سقى الله في بطن الجزيرة أعظما=يعز عليها أن تلين قناتي
حفظن ودادي في البلى وحفظته=لهن بقلب دائم الحسرات
وفاخرت أهل الغرب والشرق مطرق=حياء بتلك الأعظم النخرات
أرى كل يوم للجرائد مزلقا=من القبر يدنيني بغير أناة
وأسمع للكتاب في مصر ضجة=فأعلم أن الصائحين نعاتي
أيهجرني قومي -عفا الله عنهم=إلى لغة لم تتصل برواة
سرت لوثة الإعجام فيها كما سرى=لعاب الأفاعي في مسيل فرات
فجاءت كثوب ضم عشرين رقعة=مشكلة الألوان مختلفات
إلى معشر الكتاب والجمع حافل=بسطت رجائي بعد بسط شكاتي
فإما حياة تبعث الموت في البلى=وتنبت في تلك الرموس رفاتي
وإما ممات لا قيامة بعده=ممات لعمري لم يقس بممات



 
 توقيع : م الإدريسي

قال الإمام العارف ابن قيم الجوزية -رحمه الله : كل علم أو عمل أو حقيقة أو حال أو مقام خرج من مشكاة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فهو من الصراط المستقيم وما لم يكن كذلك فهو من صراط أهل الغضب والضلال ).

التعديل الأخير تم بواسطة م الإدريسي ; 05-13-2009 الساعة 08:34 PM سبب آخر: خطأ في النص

رد مع اقتباس