عرض مشاركة واحدة
قديم 06-27-2009, 04:01 PM   #9


الصورة الرمزية ولت فرش
ولت فرش غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 100
 تاريخ التسجيل :  Jun 2009
 أخر زيارة : 08-09-2009 (09:09 AM)
 المشاركات : 36 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي تمبكتو, وثلاثية..الملح ,والذهب,والكتاب:6




تمبكتو اليوم :
كانت تلك لمحة مقتضبة عن تمبكتو التاريخية ، قبيل الغزو الإستعماري ، أما تمبكتو بعد الإستعمار أو الإستخراب بمعنى أصح فلها قصة أخرى ، فلم تلبس بعد ثوب الكتابة عنها أو قل لم يعد فيها ما يغري بتجشم الصعاب ، وركوب المخاطر للوصول إليها ، والكتابة عنها ، فقد عمد الغزاة إلى خنقها ، بل قطع كل الشرايين ، والأوردة التي كانت تتغذى عليها ، وتمدها بإكسير الحياة بقصد القضاء عليها ، وقبرها نهائيا ، حتى لا تبعث من جديد ، ويبزغ شعاعها معلنا ميلاد فجر جديد ، فهل كان لهم ما أرادوا ؟ وهل ما تجثم عليه المدينة العتيقة من كنوز، وثروة علمية يستحق أن يكتب عنه، ويعرض لأشعة النور ؟
أما تمبكتو الحالية ، فهي مدينة ، أو قل : قرية متواضعة ، تقع في جمهورية مالي ، وهي عاصمة الإقليم السادس ، وتحاصرها الرمال ، والتصحر ، من كل جانب ، وشوارعها بائسة ، تمنعك الرمال المتكدسة من السير فيها ، راجلا أو راكبا ، ومساكنها متهالكة ، يكاد يقع بعضها على بعض ، وأغلب سكانها هجروها ، أو هُجروا منها بسبب عوامل الطرد المعروفة ، أو بغيرها !!! فبعد ما كانت في القرون الغابرة يقدر ساكنوها بما يفوق : مائة ألف نسمة ( 100,000 ) ، وكان طلبة العلم فقط فيها يتجاوزون خمسة وعشرين ألف نسمة ( 25000 ) ، أصبح الآن مجمل سكانها على أحسن تقدير أقل من ثلاثين ألف نسمة ( 30,000) !!!
وحتى النهر الذي اختارته لتبنى على ضفافه ، وتستنشق نسيمه العليل ، وترتوي ، وتغتسل من مياهه الرقراقة العذبة ، هجرها ، وسلاها ، وابتعد عنها بمسافة فوق العشر كيلو مترات ، متعللا بالزحف المستمر لرمال الصحراء على روافده ، وفروعه التي ما فتأت تخرج عن طوعه أحيانا ، وتندفع صوب المدينة ، راوية ، وساقية ، وحاملة المراكب ، والركبان ، ثم أصبحت مطيعة للمجرى الكبير ، ولم يعد النهريفيض على المدينة في مواسم التدفق المعهودة مما أفاض الله به عليه ، خاصة بعد إقامة الدولة لسدود حصرت مياه الفيضان في أعالي النهر جنوبا !!!
ولكن برغم كل ما تقدم يظل الأمل ، والتفاؤل قائمين ، والسعي لغد أفضل ، وربما تمثل ذلك في مبادرات واعدة من جهات عدة لأنتشال المدينة من هذه الوضعية غير الطبيعية التي تعيشها ، كما نتحسس إشراقة أمل في بعض المراكز العلمية ، والثقافية ، والمكتبات الأهلية ، التي بدأت ترى النور في المدينة ، ولعلها تتحرك نحو المأمول ، وكان رائدها ، وقائد ركبها : مركز أحمد بابا التمبكتي للمخطوطات ، والذي تأسس في السبعينات بدعم مشكور من منظمة المؤتمر الإسلامي ، وبجهد متميز من الدكتور / محمود عبده الزبير - سفير سابق ، ومستشار الرئيس الحالي للشؤون الإسلامية - وهوأحد مثقفي البلد الذين يشار لهم بالبنان ، وكان أول مدير عام للمركز ، و يمكن أن نسميه : رائد جمع المخطوطات العربية في مالي بدون منازع ، وقد بذل مشكورا مجهودا جبارا لجمع أكبر قدر من مخطوطات المنطقة المعرضة للضياع ، والتلف ، بل والتهريب ، والسرقة ، كل ذلك في فترة صعبة ، وفي زمن قياسي نسبيا ، حتى يقال إنه جمع قبل أن يغادر المركز أكثر من تسعة عشر ألف مخطوطة ، ووثيقة تاريخية ( 19,000 ) ، وساعده في هذا العمل الرائع مجموعة نشطة من الباحثين الغيورين على تراثهم ، وثقافتهم المهددة بالضياع ، منهم المرحوم ، الأستاذ / سيد عمر بن علي الترمزي - طيب الله ثراه - ، والأستاذ / عبد الوهاب دوكري ، والأستاذ / نوري الأنصاري ، وصديقي العزيز ، الأستاذ / عبد القادر حيدرا ، والذي أسس لاحقا مكتبة: ( مما حيدرا ) جمع فيها الكثير من تراثنا المخطوط قارب تسعة آلاف مخطوط ، ووثيقة ( 9000 )،وهناك مكتبة الزاوية الكنتية ، والتي تزخر بالكثير من المؤلفات ، والوثائق من موروث الأسرة الكنتية ، وتقع في حي أهل سيدي علواته في المدينة ، ويشرف عليها القنصل السابق ، والمحامي المتقاعد ، الشيخ / حمه بن سيد عمر الكنتي ( حمه كنته ) ، كما تضم المدينة العديد من المكتبات الأهلية الواعدة ، وكأنها تحاول استرجاع الماضي التليد ، وتنفض الغبار ، والأتربة ، وعاديات الزمن ، عن ذاكرتها العلمية الثرية ، بل ذاكرة إفريقيا الثقافية ، العربية الإسلامية !!!
فهل يعطينا هذا أملا جديدا بعودة الحياة إلى هذه المدينة العتيقة التي تتنفس بعبق التاريخ ، وتنضح أصالة ، وتتمايل بعظمة ، وسمو العلم ، والمعرفة ؟ هذه الشامخة التي تغفوا على حواف الصحراء تجتر ذكريات ماضيها المجيد ، ويلسعها حاضرها المر الأليم !!!
وهل يشفع لها أنها كانت في يوم من الأيام عاصمة اقتصادية ، وثقافية ، بل وتاجا مرصعا لكل مدن ، وحواضر الصحراء ، وبلاد السودان ؟!!!
في الحقيقة كلنا أمل أن تكون هذه اللفتة الكريمة من : ( المنظمة الإسلامية للتربية ، والعلوم ، والثقافة ) باعتبار تمبكتو هذا العام ( 2006 م ) عاصمة للثقافة العربية الإسلامية في إفريقيا ، تكريما لدورها التاريخي المميز في إثراء ، ونشر الثقافة ، والمعرفة في ربوع إفريقيا الواعدة ، نأمل أن تكون هذه خطوة خيرة في الإتجاه المرجوا ، وأن يفعل هذا الإختيار ، بإقامة ندوات علمية عن المدينة ، وأن تنظم رحلات علمية لطلاب أقسام التاريخ ، والحضارة ، والأقسام السياسية ، وأقسام إعداد الدعاة ، والأقسام المهتمة بالدراسات الإفريقية في الجامعات ، وغيرها ، أن تنظم رحلات تعريفية لكل هؤلاء إلى المدينة للتعريف بدورها الريادي ، وموقعها المميز في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية في المنطقة ، وهو أمر تقوم به جامعات غربية عريقة سنويا ، فلا أقل من أن نقلدهم في هذه !!!
وأن تنظم حملة متوازية على مستوى المتخصصين ، والباحثين ، والمهتمين ، لزيارة المدينة ، بغية الإطلاع على الكم الهائل من المخطوطات العربية النادرة ، الذي مازال يرقد أغلبه في صناديق قديمة ، وصدءة ، وعلى أرفف متهالكة مغبرة ، ويحتاج إلى عناية خاصة لترميمه ، وحفظه ، وفهرسته ، وتحقيق ما يستحق منه التحقيق ، والنشر ، حتى يكون في المتناول ، فتستفيد منه الجامعات ، والمعاهد العلمية ذات الصلة في العالمين العربي ، والإسلامي .


وهذا نهاية البحث الذي قام به احد ابناء تمبكتو الذين حملو
هم التعريف بها ونشر علومها بين الاقطار مشكور ا
السيد بن بيلا بن عابدين الفردي


 

رد مع اقتباس