عرض مشاركة واحدة
قديم 06-27-2009, 03:45 PM   #6


الصورة الرمزية ولت فرش
ولت فرش غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 100
 تاريخ التسجيل :  Jun 2009
 أخر زيارة : 08-09-2009 (09:09 AM)
 المشاركات : 36 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي تمبكتو, وثلاثية..الملح ,والذهب,والكتاب:3



منقول:
البعث على اجزاء:
اقرا جميع الاجزاء تكتمل عندك الصورة.


ومن قراءة الوثائق التاريخية للفترة يلاحظ أن خشية الشيخ / أحمد البكاي ، تمحورت حول خطر زحف النفوذ الفرنسي ، الذي بدأ يضيق الخناق على المنطقة منذ فترة تمهيدا لغزوها ، واحتلالها ، فمن الشمال أحتلت الجزائر ( 1830 م ) ومن الجنوب ، والجنوب الغربي الإحتلال الفرنسي يستوطن في السنيغال ، ويمتد نفوذه إلى الإمارات الحسانية العربية على ضفاف نهر السنيغال ، وشواطيئ الأطلسي ، فاستشف الشيخ من مجمل هذه الأوضاع ، ومن نقاشاته ، ومحاوراته الطويلة مع د/ هنري بارث احتدام الصراع على المنطقة بين الإنجليز والفرنسييين ، فأراد أن يستفيد من هذا التقاطع بين الطرفين ، لحماية منطقته من الخطر الفرنسي القريب ، والداهم ، وأما الإنجليز فلم يكن منهم خوف - في رأيه - فهم بعيدون نسبيا ، ولا يخشى من أطماعهم وربما بسبب علاقاتهم الودية في ذلك الوقت مع السلطنة العثمانية ، والباب العالي ، وموقفه مصدر إطمئنان - أقصد موقف الباب العالي - بالنسبة للشيخ / أحمد البكاي ، فهو مقر الخلافة الإسلامية الجامعة ، والسلطان العثماني - حينذاك - هو خليفة المسلمين .

إلا أن ظروفا دولية وإقليمية ، ومحلية طرأت وغيرت بعض التحالفات ، الأمر الذي منع جهود الشيخ مع الإنجليز أن تؤتي ثمارها وبالتالي لم يتدخل الإنجليز - حسب وعدهم - في الوقت المناسب لوقف الزحف الفرنسي على المنطقة ، وابتلاعها .

هذا وظلت السيطرة المشتركة للفلان وكنته قائمة على المدينة حتى انتزعها من بين أيديهم الغزاة الفرنسيين ، برغم الهزة العنيفة التي تعرضوا لها إبان محاولة الحاج/عمر تال الفوتي اجتياح المنطقة ، وقد نهض الجميع - فلان .. وكنته .. وطوارق - نهضة الرجل الواحد لصده ودحر اجتياحه للمنطقة .
فبعد معارك طاحنة وبعد كثير من الكر والفر من الطرفين وخسائر فادحة في كلا الجانبين ، تمت محاصرة جيش الفوتا وقائدهم في مدينة حمد الله وقضي عليه في إحدى المغارات في تلك المنطقة .

والمؤسف - حقا - هو أن هذه المعارك وهذا الصراع كبد المنطقة خسائر كبيرة في الأرواح وهزحركة الإقتصاد والتجارة في المدينة ، بل وحتى على مستوى العلاقات بين الأثنيات المكونة للنسيج السكاني للمنطقة فقد خلق شرخا وانقساما طائفيا أو قل ( طُرقيا ) حادا وغير مسبوق في البلاد بين القادريين أهل المنطقة الأوائل والتجانيين الذين قدموا في معية الحاج /عمرتال الفوتي لبسط سيطرتهم على المنطقة .

ويذهب الكثير من الباحثين إلى أن هذا الصراع غير المبرر بين الطريقيتين كان من الأسباب التي ساهمت في إضعاف البلاد وسهلت للغزاة الفرنسيين مهمتهم في احتلال المنطقة برمتها وبسط سيطرتهم على كامل الإقليم : الصحراوي السوداني في العقد الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي .

تمبكتو مدينة ؛ التجارة .. والثقافة :
كانت التجارة وتبادل السلع بين ضفتي الصحراء الكبرى منذ عصور موغلة في القدم ، ذكرها المؤرخ الإغريقي الشهير : هيرودوت وسماها " التجارة الصامتة " بسبب عدم وجود لغة مشتركة بين طرفيْ عملية التبادل ؛ فكان تجار الشمال يضعون ما يحملون من سلع ( ملح وغيره ) في مكان متعارف عليه ، ثم يبتعدون قليلا عن المكان ، فيأتي الأهالي من الجنوب ويضعون هم أيضا ما يرون أنه مقابل ( ثمن ) سلعة أهل الشمال ( من الذهب أو العاج أو غير ذلك ) ، ثم يبتعدون قليلا حتى يعطوا فرصة لتجار الشمال أن يقرروا إن كان الثمن يناسب بضاعتهم ، فيعود الشماليون إلى المكان ، ويأخذون ما يرون أنه يقابل سلعتهم ، ثم ينصرفون من حيث جاؤا دون تحاور مباشر بين المتبايعيين ولهذا عرفت هذه الصورة من التبادل التجاري السلمي عند المؤرخين : " بالتجارة الصامتة " .

وقد استمرت هذه الصورة لأزمنة متعاقبة ولم يعثر حتى الآن على تاريخ محدد وأكيد لتطور هذه العملية إلى استخدام اللغة بين المتبادلين ، إلا أن الثابت بالدليل أن التبادل التجاري بين ضفتيْ الصحراء شهد تطورا سريعا ، ومطردا بعد دخول الإسلام مباشرة إلى منطقة شمال إفريقيا في القرن الهجري الأول .


وفي تمبكتو خاصة لأن مؤسسيها مسلمين وكان ذلك في ظل دولة كان شعارها هوأسلمة المجتمع والحكم بتعاليم الإسلام هي : الدولة المرابطية .

فقد ترافقت فيها الحركة التجارية مع حركة التعليم والدعوة منذ الوهلة الأولى ومعلوم أن تجار القوافل الذين ارتادوا المنطقة حينها كانوا تجارا ودعاة في غالبيتهم العظمى ، فكان ذلك التكامل الجميل بين الدعوة للرسالة السامية والسعي والكدح لكسب الرزق الطيب والربح الحلال ، الأمر الذي أثمر نهضة متزامنة في المدينة كان جناحاها الإزدهار الإقتصادي ، والنهوض الثقافي والعلمي ، حتى أصبحت تمبكتوفي فترة قياسية وجيزة مقصدا للتجار ورجال المال وفي نفس ا لوقت صارت قبلة للعلماء وطلبة العلم والمعرفة .

ونافس الكتاب في سوقها الذهب والملح ، بل تجاوزهما في بعض الأحيان ويذكر حسن الوزان - الذي زار المدينة مرتين موفدا في سفارة من المخزن - يذكر في كتابه ( وصف إفريقيا ) أن الكتاب في تمبكتو أصبح يساوي وزنه ذهبا ، وهو أمر غير مسبوق في كل الحواضر الإسلامية حينذاك .

وإذا كانت أثمن وأغلى سلعة في سوق المدينة عند تجار القوافل من الشمال هي : الذهب التبر والألماس .. وأثمن وأعز سلعة عند أهل الجنوب هي : ملح الطعام ، فإن أفضل وأثمن وأغلى سلعة عند أهل تمبكتو هي : الكتاب وهذه - لعمري - مفارقة عجيبة وظاهرة فريدة تستحق الدراسة والتحليل .
ومن أبسط الشواهد التي بين أيدينا الآن على صحة هذا الزعم هو : هذا الكم الهائل من المخطوطات العربية الموجود في مكتبات المدينة والذي تقدره بعض المصادر بما يفوق مليوني مخطوط
( 2000000 ) وهورقم متميز بكل المقاييس إذا ما قرن بالمجود في بقية مدن وحواضر المنطقة .


مؤثرات الحضارة العربية في المدينة :

مثلت الهجرات القبلية أهم الروافد التي أثْرت العلاقات بين حوض نهر النيجر ، والمغرب العربي ، فمنذ الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا شكل الفضاء الجغرافي الممتد من نهر السنيغال ، وثنية نهر النيجر ( حيث تقع : تمبكتو ، وقاوه ، وجنيْ ) إلى بلاد الأندلس ، شكل هذا الفضاء مجالا سهلا لحركة القبائل الصنهاجية ، والعربية ، والتجار الدعاة الذين ارتادوا مدن ، وأسواق هذه المنطقة في وقت مبكر جدا ، من تاريخ الإسلام في هذا الحيز .
ويسوق بعض الباحثين للتدليل على هذا التلاقي ، والإتصال المبكر ، والإنتقال السريع للبشر ، والأفكار ، إلى منطقة حوض النيجر ، شواهد قبور قاوه الرخامية ، التي صنعت في أغلبها في مدينة ( المرية ) الأندلسية ، ثم عبرت المتوسط والصحراء الكبرى إلى أن وصلت إلى مدينة قاوه ، عاصمة امبراطورية الصنغاي .

إلا أن الدور الأهم في نقل المؤثرات ، وتنشيط الحركة بين المنطقة الشمال ، هو ذلك الذي لعبته القبائل العربية ، والطارقية ، القاطنة في أطراف الصحراء ، وتمثل في تنظيم ، وحماية القوافل التجارية العابرة للصحراء جنوبا .

ويسجل تاريخيا للأسكيا الحاج / محمد الكبير توري - امبراطور الصنغاي العادل - أنه استطاع بحنكته السياسية الفذة ، وعدله المشهود ، استطاع كسب قبائل الطوارق في المنطقة ، وجعلهم طوع أمره ، فاستعان بهم في بسط الأمن في منطقة امتداد فوذ امبراطوريته في الصحراء الكبرى ، فأمن بذلك السبل ، والطرق المؤدية إلى أسواق امبراطوريته ، مما زاد في تدفق القوافل التجارية من الشمال إلى هذه المدن ، والأسواق .

هذا بلإضافة إلى اهتمام الأسكيا/ محمد بتنظيم الأسواق ، وتكليف مشرفين بشأنها ، وادخاله لنظام الحسبة المعمول به في أسواق الحواضر الإسلامية الكبرى ، فكان هناك إشراف ، ومتابعة ، للموازين ، والمكاييل في السوق ووضع عقوبات صارمة على من يضبط مخلا بها ، أو يتلاعب بالأسعار أو يحتكر سلعة ما ، أو يخرج عن المعمول به والمتعارف عليه في أسواق الإمبراطورية وبالتالي شهد عهد الأسكيا / محمد حراكا تجاريا ، وازدهارا اقتصاديا مميزا .

وتذهب المصادر أيضا إلى أن النهضة العلمية ، والثقافية التي برزت في الإمبراطورية في عهد الأسكيا / محمد لم تكن مسبوقة ، فبعد التحرير والتوسع الكبير لرقعة الإمبراطورية في زمن أسلافه وبعد رحلة الحج الشهيرة التي قام بها ( 1497 م ) واحتكاكه بالنظم الحاكمة في المشرق ؛ من مماليك وأتراك وأشراف في الحجاز ومجالسته للنخب من العلماء والتجار وما ذكرته بعض المصادر من : أن الخليفة العباسي في القاهرة بارك الأسكيا وزكاه لحكم بلاد السودان وأنه اجتمع بالإمام / جلال الدين السيوطي ، ونصح له ، وباركه .

بعد كل هذا نلاحظ أن الأسكيا / محمد الكبير توري ، اتجه نحو أسلمة دولته في كل نظمها ، وتشريعاتها واحكامها وثقافتها ، فكان متأثرا كل التأثر بما شاهد وعاين في بلاد المشرق وسعى جاهدا أن ينقل إلى بلاده هذه المحصلة الثرية من التراكمات الحضارية والثقافية العريقة ولا شك أن الأسكيا أحضر معه بعض المشايخ ، والدعاة ، بل والتجار كذلك كما فعل قبله الإمبراطور كانكان موسى ، بعد عودته من الحج وفي هذه الفترة زار الشيخ الإمام / سيدي محمد بن عبد الكريم المغيلي ، زار عاصمة الأسكيات : قاوه واستقبله الأسكيا / محمد استقبالا حارا في القصر وقربه إليه وكان يستفتيه ويسأله في كثير من الأمور الشرعية ذات الصلة بحياة الرعية ، وشؤونهم ، وهي أسألة وأجوبة مشهورة في ثقافة المنطقة.

وقد شهدت المنطقة في هذه الحقبة تدفقا كثيفا للجاليات القادمة من بلاد المغرب ومصر والحجاز وبلاد الأندلس ، ربما بسبب مابلغهم من احتفاء الأسكيا بهم وعنايته بعلمائهم ، وتجارهم وربما بسبب الرخاء الإقتصادي والأمن والإستقرار السائدين في المنطقة أو لهذه الأسباب مجتمعة وهي بلا شك أسباب مغرية وجاذبة بطبيعتها ويبدو أنها كانت شبه معدومة في الجوار ومنطلق هؤلاءالوافدين !!!

فكان كل ما تقدم ، مقدمة طبيعية لنهضة ثقافية علمية، ازدهرت في بلاد الصنغاي واحتضنتها مدينة تمبكتو واستفادت منها أكثر من بقية مدن الإمبراطورية ، ربما بسبب تمركز الهجرات من الشمال فيها ، حيث كانت المجموعة العربية في المدينة من أهم العناصر التي ساهمت في نهضتها ورقيها ، وكان العرب يشكلون الجزء الأكبر من تجار المدينة ، كما كانوا أغنى العناصر المشكلة للخريطة السكانية للمدينة وهنا يقرر أحد الباحثين الغربيين دور الشمال في نمو وتطور تمبكتو فيقول : " إذا أردنا أن نعرف أصل مدينة تمبكتو فيجب أن نبحث في اتجاه آخر لأن ماضيها ارتبط بالحضارة العربية في شمال إفريقيا .. " .

وفي سياق الحديث عن أهمية المدينة كملتقى للتبادل التجاري بين سكان ضفتيْ الصحراء يقول فيلكس : " تعد تمبكتو مكان التقاء لكل الذين يسافرون بالقوافل أو القوارب .. " هذا صحيح فهي محطة رئيسية للقوافل القادمة من الشمال ؛ توات .. وبلاد تلمسان .. ومنطقة الجريد في تونس .. وغدامس وطرابلس الغرب .. وفاس .. ومراكش .. وسجلماسة .. وتافيلالت .. وبلاد السوس .. الخ .

وهي ميناء ومرسى للقوارب النهرية القادمة من أعالي روافد نهر النيجر وكل المنطقة الجنوبية وقد ساعد موقعها المميز أصحاب القوارب في الوصول إليها ، حيث تقع عند مخارج فروع الروافد عند نقطة ينثني فيها النهر بشدة من المجرى الغربي إلى الشرقي ، مشكلا ثنية أو إنحناءة جميلة ؛ على شكل ذروة سنام الجمل وهنا يسهل الإلتقاء بين الشمال والجنوب والمدينة هي أول مكان آمن تتوفر فيه المياه والظل والطعام ، يستقبل أصحاب القوافل القادمين من الشمال ، بعد رحلة شاقة ومضنية،استمرت لأربعين يوما أو لشهور بالنسبة للقادمين من مدن الشمال البعيدة وهي كذلك آخر نقطة يمكن أن يصل إليها أصحاب القوارب النهرية القادمين من الجنوب والذين يبذلون الجهد الجهيد لإيصال منتجاتهم وسلعهم في الوقت المناسب إلى المستهلك المأمول في أسواق المدينة.

ويتبع......


 

رد مع اقتباس