عرض مشاركة واحدة
قديم 06-27-2009, 03:39 PM   #5


الصورة الرمزية ولت فرش
ولت فرش غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 100
 تاريخ التسجيل :  Jun 2009
 أخر زيارة : 08-09-2009 (09:09 AM)
 المشاركات : 36 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي التمبكتو: ثلاثية ,الملح ,والذهب , والكتاب



منقول



ثم ذكر امبراطورية مالي الإسلامية التي حكمت المدينة زهاء قرن من الزمان ، وكان نمو المدينة العمراني بدأ في عهدهم ، وخاصة في زمن الأمبراطور العظيم : كانكان موسى ( 1312/1337 م ) عندما مر بالمدينة في طريق عودته من رحلة الحج الشهيرة ( 1324م ) وكان مصطحبا معه المهندس ، والشاعر الأندلسي : أبو اسحاق الطويجن الساحلي ، وقد كلفه الإمبرااطور ببناء أول مسجد جامع كبير في المدينة ، بالإضافة إلى بنائه لقصر الملك فكانا ( المسجد الجامع ، والقصر ) بداية لفن معماري متميز عرف - لاحقا - بالمعمار الصحراوي السوداني الأندلسي ..

وإذا كان النمو العمراني للمدينة بدأ - كما أسلفنا - في عهد إمبراطورية مالي ، فإن ازدهارها التجاري ، والثقافي ، والديني ، بل وحتى اكتظاظها السكاني بلغ أوجه ، وذروته في عهد امبراطورية الصنغاي ، الذين يذكر السعدي ضمهم للمدينة لمدة مائة عام أو يزيد ...

وكان من نتائج استقلال إمبراطورية الصنغاي
( 1493 / 1591 م ) تغير وجهة القوافل التجارية نحو الشرق ، بعد تحرر دولة الصنغاي من نفوذ الماليين ، وإقامتهم لعاصمة جديدة هي مدينة : قاوه ، فتحول محور اهتمام القوافل شرقا ، الأمر الذي جعل المقيمين في ولاته - وكانت تابعة لإمبراكورية مالي - جعلهم يتحولون تدريجيا صوب جارتها الشرقية قاوه ، فكانت تمبكتو تشكل حلقة وصل ، ومحطة مهمة لابد من المرور بها بين المدينتين ( قاوه وولاته ) .

ثم ما لبثت أن استقطبت النخب ، وأصحاب المال من المدينتين ، فتدفقت فيها دماء جديدة أضافت لها حراكا ، وحيوية جديدين ، فكان ذلك بداية لتعاظم دور تمبكتو على حسابهما ، على المستويين الإقتصادي ، والثقافي ، واستقبلت في الفترة ذاتها الكثير من الشماليين من كل الحواضر الإسلامية - تقريبا - من بلاد المغرب ، ومصر ، ومن بلاد الأندلس بعد سقوط غرناطة ، آخر المعاقل الإسلامية هناك ، ومن بلاد الحجاز ، واتسعت رقعة المدينة بشكل ملحوظ ، وتضاعفت مساحتها ، وأعيد بناء المنازل بشكل أكثر جمالا ، وتأنقا ، ونظمت الشوارع ، والحارات ، والساحات العامة ...

وقد سجلت - كذلك - في هذه الفترة هجرات منظمة لشعب الصنغاي من : ( جِنًّيْ .. وهُمْبْرِي .. وقََاوَه .. وبقية المناطق المجاورة ) ربما كان ذلك بقصد إعادة التوازن إلى المدينة بين العرب ، والطوارق ، والصنغاي ، فكانت خطوة ذكية من السلطات لعلاج التركيبة السكانية المختلة لصالح أهل الشمال ، وربما حتى لا تترك فرصة لإبتعاد المدينة عن محيطها الديمغرافي القريب ....

ومع ذلك ظلت اللغة العربية هي اللغة الوحيدة الجامعة بين كل الأطياف ، والعناصر ، والأثنيات ، فكانت لغة التعليم ، والعلم ، ولغة التجارة ، والإدارة ، بل والحكم ...

ويتطرق عبد الرحمن السعدي لسيطرة المغاربة على المدينة ، في عهد السلطان : مولاي أحمد الذهبي ، والفترة المغربية ( 1591/1833 م ) - وهي الأطول - يمكن تقسيمها إلى فترتين :
الأولى : وكانت إثر الغزو مباشرة الذي كان على رأسه : جودر باشا -المملوك الإسباني - وقد استمرت أقل من عقدين ، وانتهت بوفاة السلطان / الذهبي
( 1603 م ) ، فانشغل المغاربة بخلافاتهم الداخلية ، وانقطع الإتصال المباشر للحملة المغربية مع المخزن في مراكش .

وبذلك بدأت الفترة الثانية : التي تولت فيها فرق جيش الحملة المغربية إدارة شؤون البلاد فكان الباشاوات المغاربة ( الرماة أو الرمة ) هم المباشرين للحكم ، وإن بمساعدة - أحيانا - من إدارة محلية من بقايا ابناء الملوك الصنغاي وبعض الفاعليات الإجتماعية المؤثرة من أهل المدينة ؛ من العلماء .. والتجار .. وشيوخ القبائل.. الخ .

وفي القرن التاسع عشر الميلادي ( 1833م ) امتد نفوذ دولة : شيخو آمدو الفلانية - المتمركزة أساسا في منطقة : ماسينا في إقليم موبتي الحالي في وسط البلاد - امتد إلى مدينة تمبكتو ، وفي هذه الفترة تحديدا ولد من رحم الانتماء للطريقة القادرية البكائية الكنتية المشترك : ولد تنسيق فلاني ، كنتي ، طارقي ، للإشراف على شؤون المدينة ، وما جاورها ...

ويسوق الباحث الأمريكي ، المهتم بالتاريخ الثقافي ، والفكري للمدينة ؛ د/ جون هنويك ، أسباب النفوذ الكنتي في هذه اللحظة التاريخية ، فيقول : " وحينما برزت قبيلة كنته التي تدعي الأصل العربي !!! ( ... ) وأصبحت تمثل قوة قبلية ، وثقافية ، ودينية ضاربة في جل المجالات الصحراوية ؛ من شرق منطقة القبلة ( في موريتانيا ) إلى تمبكتو ، وأخذت ( القبيلة ) تلعب دور الوسيط فيما بين ضفتي الصحراء خلال القرنين 18/19 الميلاديين ، خاصة فيما بين واحات توات - حيث منطلق الزاوية الكنتية الأول - ( في الجزائر حاليا ) ، وأزواد - في مالي - ( ... ) ويضيف : وقد تمكنت الأسرة الكنتية من لعب دور بالغ الأهمية ... إن على المستوى الديني ، أو السياسي .. "

ويبدو أن مدينة تمبكتو كانت الحاضنة لهذا النفوذ ، ثم مركزا أساسيا لإنطلاق الدور الكنتي في عموم الصحراء ، وبلاد السودان ، خاصة في مراحله الأخيرة قبيل الغزو الفرنسي للمنطقة ..

ويعطينا الكاتب الفرنسي : فيلكس دي بوا في كتابه الشيق : ( تمبكتو العجيبة ) ملامح ، وصورة أوضح عن أسباب ، وبدايات التنسيق الكنتي الفلاني ، في المدينة ، فيذكر دور الشيخ / سيد المختار الصغير الكنتي - 1773/1853 م - ( كان الشيخ الأكبر لعموم القادرية في شمال وغرب إفريقيا ) في التوسط بين أهل المدينة ، وملك الفلان : شيخو أحمدو وإبرام عقد صلح ، وتفاهم بين الطرفين ، على الوضعية الجديدة للمدينة، وأن ذلك كان بداية استقرار الشيخ /سيد المختار الصغير الكنتي في تمبكتو ، ومقدمة لما سيطلع به - لاحقا - من مكانة محورية في تحمل مسؤولية الشأن العام في المدينة ، ومحيطها الحيوي ...

ويضيف فيلكس : " وكان السلطان يأخذ رأي الشيخ في القضايا ، والمشاكل التي بين المغاربة ، والطوارق ، بل وكل المشكلات في المدينة والمناطق البدوية المجاورة تبحث في مجلسه - زاوية الشيخ - وصار المرجع النهائي في كل قضايا المناطق المجاورة ... "

وسنلاحظ نمو ، واتساع هذا النفوذ في عهد الشيخ / سيد أحمد البكاي الكنتي - عندما آلت إليه المشيخة - والذي برز نجمه وعلا شأنه في المنطقة عموما ، نظرا لما تمتع به من علم غزير ومعرفة واسعة وسعة أفق وحنكة سياسية متميزة ودراية فائقة بالشأن العام وعلاقات محلية ، وإقليمية ضافية ، جعلته يتخاطب مع سلاطين وملوك حتى من خارج إقليمه ونطاقه المحلي ، فكانت له مراسلات مع السلاطين والعلماء في مراكش ، والولاة من أسرة أحمد القرمنللي في طرابلس الغرب ، بل وتذكر الوثائق أنه جند الجند لنجدة الأهل في الجزائر عشية الغزو الفرنسي للبلاد وكانت للشيخ ، اتصالات وسفارات متبادلة مع آل الشيخ / عثمان دان فوديو ، في إمارة المسلمين في سَكَتُو ( في نيجيريا حاليا ) واثمر ذلك تعاونا طيبا بين الأسرتين في كل إقليم السودان وكانت للشيخ اتصالات ومراسلات مهمة مع بريطانيا العظمى وتبادل مع البلاط الإنجليزي الرسائل والهدايا - رغم بعد الشقة - وكان الحلقة الأولى في هذه الإتصالات الرحالة الألماني الدكتور / هنري بارث ، الذي زار تمبكتو ، منتحلا صفة شريف من أهل الشام ( 1853 م ) ، فحماه الشيخ البكاي ، ودافع عنه بجرأة ، وبسالة ، أمام سلطات حلفائه الفلان الذين أرادوا الفتك بالرحالة ...

وقد رد الوزير البريطاني ( كلارندون ) على الشيخ / البكاي ، بأمر من الملكة فيكتوريا ، بردود منها ؛ قول الوزير : إن الرسالة التي أرسلتها وصلتنا ( ... ) وفهمنا ما فيها وإنه لسرور عظيم لنا ( ... ) إن ما نريده هو أن تفتح عيون العرب في الجنوب لإقامة تجارة بيننا ونحن نقدر ذلك تماما ، ونقدر نظرتك لمهمتنا بكل سرور ، ونقبل هذه الصداقة ( ... ) وأن كل ما يطلبه العرب سوف نلبه دون زيادة أو نقصان ( ... ) ونظرا لأن حكومتنا قوية فسوف نحمي شعبك إذا استعانوا بنا ".

وكانت تدار هذا الإتصالات بين الشيخ ، والإنجليز من الممثلية البريطانية في طرابلس الغرب ، والتي كانت بطريقة أو أخرى على علاقة تبعية ، أو تنسيق مع السلطان العثماني في اسطنبول ، ويبدو أن السلطات في طرابلس ، وكذلك الباب العالي على دراية تامة بما يجري بين الشيخ الكنتي ، والإنجليز ، بل وتبين الوثائق التي بحوزتنا عن هذه الفترة أنهما سعتا - طرابلس واسطنبول - لتسهيل ومباركة هذه الإتصالات ، وكانتا راضيتين عنها ، وتشجعانها ، إما من باب النكاية بالنفوذ الفرنسي الزاحف ، والسعي لإعاقة تقدمه المتوقع باستخدام الإنجليز لصده بترغيبهم بمكاسب موعودة في المنطقة ، وإما للتحرش بالوجود المغربي المتقادم والقضاء على بقية الولاء الروحي المتبقي له في النفوس ، والأفئدة وربما كان ذلك على خلفية الصراع القديم ، الجديد على النفوذ بين المغاربة والعثمانيين في منطقة المغرب العربي ، ومجالها الحيوي .

ومن قراءة الوثائق التاريخية للفترة يلاحظ أن خشية الشيخ / أحمد البكاي ، تمحورت حول خطر زحف النفوذ الفرنسي ، الذي بدأ يضيق الخناق على المنطقة منذ فترة تمهيدا لغزوها ، واحتلالها ، فمن الشمال أحتلت الجزائر ( 1830 م ) ومن الجنوب ، والجنوب الغربي الإحتلال الفرنسي يستوطن في السنيغال ، ويمتد نفوذه إلى الإمارات الحسانية العربية

ويتبع.............


 

رد مع اقتباس