عرض مشاركة واحدة
قديم 02-16-2011, 09:10 PM   #2


الصورة الرمزية محمد أغ محمد
محمد أغ محمد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 78
 تاريخ التسجيل :  Apr 2009
 أخر زيارة : 09-27-2012 (01:03 AM)
 المشاركات : 299 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: التحريف الأسلوبي في قصيدة اليعقوبي



-
بنية الملتقىأو القصيدة الثانية:

مآثر ما عفت منهن أطلال ** وملتقى السوق للأمجاد تمثال

كأني باليعقوبي هنا تجف منابعه الإبداعية حتى تتجمد تماما عند عجز هذا المطلع، الذي ارتكب فيه جل المرديات بالشعرية، فتراه يكرر هذه الخاصية الأسلوبية التي استهلكها في مستهل القصيدة، {تمثال)، وكان كما قال الدكتور المسدي نقلا عن تودورف: بأن الخاصية الأسلوبية كلما تكررت ضعفت، وفقدت شحنتها التأثيرية، ولذا أقول أنا: إن كل خاصية أسلوبية كشرارة متوقدة في مكانها الأول، وكلما حاول المبدع أن يأخذ منها نسخة إلى مكان آخر انطفأت بين يديه. وهو لم يكرر (التمثال) فحسب، بل نقل معه كلمة (الأمجاد) أيضا. وكل ذلك ذهب البيت الأول بنضرته ، ولسعة معجم شاعرنا لا أعذره هنا، بل أشدد عليه، والبيت غير مصاب بهذا فحسب، بل يعاني من أزمة (الخلخلة) ، وعدم الوحدة الموضوعية، فيما بين الصدر والعجز، فأي مناسبة بين المصراعين؟ وليس هذا فحسب إذا قلنا بأن هذا تخلص إلى الموضوع الرئيسي (الملتقى)، فهل أجاد الشاعر تقنية التخلص هنا كما يرام؟؟. فهو إذن مبتور عما قبله، ومبتور فيما بينه.
صحيح أن الصدر محاولة من الشاعر للربط بين الموضوعين، ولذلك بقي الصدر (موضع التنازع) بين القصيدتين، وأعطيته أنا للقصيدة الثانية تقليدا لأئمتنا البصريين، فالقصيدة الأولى لا تحتاج إليه، بل قد يضرها، بخلاف الثانية، التي يكمل هيكلها العروضي على الأقل، كلما أمعنت النظر في هذا البيت تأكدت أكثر أنني أمام قصيدتين بينهما عدة فوارق، على مستوى الإبداع، والأسلوب، والموضوع، وربما لهذا أيضا لم يفلح الشاعر في الربط بينهما كما يرام. ولكيلا تقول: إنني أتعسف في الموازنة بينهما أريدك أن توازن أنت لا على المستوى (الصور)، لأنه قد يعتمد على (الذوق)، بل على مستوى (الإيقاع) المحسوس، الذي يبدو أكثر في غنى مطلع القصيدة (أ) بأصوات المد، التي تتيح لك أن تغني بها أكثر، ففي مطلع (أ) عشرة أصوات مد، وهي حاضرة كلها ( ا، و، ي)، بينما لا تحد في (ب) إلا ستة، مع غياب صوت هام هو (ي)، وليس هذا فحسب إذا علمت بأن الشاعر أعدل في القسمة بين مصراعي المطلع (أ)، (5/5)، بل حتى بين الكلمات، فالكلمات في (أ) أيضا عشرة، أي في كل كلمة حرف مد، مما يعني أنها وحدة موسيقية متكاملة على حدة، بينما تجد هذا المطلع (ب) يحتوي على (12) كلمة، مع (6) حروف مد، مما يعني بعد القسمة ..... إلخ. هذا إذا تسامحنا في ضعف معنى الشطر الأول، الذي يكاد يجمع بين النقيضين، بدون تحريف جميل، أن تكون تلك المآثر في أطلال، ولكن لم تعف منها، والطلل في الأصل: هو الشاخص من آثار الديار، وشخص كل شيء، لكن الشعراء توسعوا، وأطلقوه على رسوم الديار نفسها، التي جلا عنها أهلها، إذن فالشاعر لم يقل معنى غريبا، من أجل هذه الفوارق العديدة فصلت بين القصيدتين، وأتوقف هنا عن التشريح كيلا ترى معي كل شيء.
فإلى موضوع القصيدة، لنرى هل مطلعها يوافقها أم لا؟
دعت له نخب لبتهم نجب ** لهم على النجب للعلياء إرقال

لإضفاء الأهمية حقا على (الملتقى) رصف الشاعر هذه الكلمات المتقاربة إيقاعا، (نجب/ نجب/ نجب)، فالقائمون عليه من خيرة القوم، والمدعون أيضا من صفوتهم، و(نجبهم): نوقهم اعتادت (الإرقال) : الإسراع نحو المعالي، فبما أن (الملتقى) عبارة عن (العلياء)، فلا غرو من حضورهم...إلخ. أي تحريف أسلوبي ؟؟ وأي تصوير هنا؟ إذن فهو إخبار بالنظم والرصف، ويبدو حقيقة أن الشاعر إنما أراد أن يبرز مكانته في رصف الكلمات هذه المرة، لا أن يكون محرفا لها، فهو في هذا البيت عبد الكلمات، بخلاف القصيدة الأولى التي كان هو سيدها المنتهك لحقوقها، والمحرف لنظامها. هذا إن لم تستثقل تكرار (الجيم) وضمها في (نجب)، وإسكانها في (النجب)، وهذه الكلمة الغريبة (الإرقال)، علما بأنها هي اللكمة الغريبة الوحيدة في القصيدة. إن لم نضم إليها كلمة (عثكال)، لأنها رنانة خفيفة، والشاعر يحسب له ذلك.

توافدوا ليشيدوا برج مكرمة ** وهم بنو وبناة المجد لن يالوا

لم يزل الشاعر في وظيفة (الصحفي)، وبلغته مقررا، لولا أن كلمة (برج مكرمة) تحتل مكانتها المرموقة في البيت، وهي جميلة، في إيقاعها، وإيحائها، فإن أصحاب الملتقى قد لبوا الدعوة إلى العليا، فإنما توافدوا لبناء المجد، والعز، وتشييد أبراج المكارم، والأخلاق، فنعم المجمع، ولا يستغرب منهم ذلك، لأنهم بنو المجد، وبناته في نفس الوقت، فالمعنى حقا جميل، وراق، ومناسب، وقد حرف اللغة في كلمة واحدة، تكاد تشفع للبيت، وترفعه إلى مستوى الشعرية، لولا أسلوب لغة (الصحافة) الذي ختم به البيت: (هم بنو وبناة المجد)، إضافة كلمتين إلى كلمة واحدة، والتحريف النحوي، مذموم بقدر ما كان التحريف الأسلوبي محمودا، وهذا الأسلوب شاع في (الصحف الإخبارية) اليومية، ولن نرضاه لشاعرنا اليعقوبي، الماسك بذمام اللغة.

قوم كفيل بجمع الشمـل جمعهم ** وان تكون جنى الأقوال أفعال
وغب غيث اللقا وادي التواصل في ** بادي وحاضرنا خصب وسيال
ينقل الشاعر لنا منولوجيته، "حديث النفس" متمثلة في أمنياته، وتطلعاته، لآفاق الملتقى، وبتفاؤل جميل، في البيت الأول، فيؤكد أن اجتماعهم ذاك كفيل بلم شملهم، ويتمنى أن لو كانت الأفعال جنى الأقوال، ويسوق التمني في سياق الخبر، وكأن ذلك وقع، أو سيقع لا محالة.
وفي البيت الثاني يحاول الشاعر إخصاب لغته، وتكثيف الصور، حتى ازدحم البيت بالعديد من الألوان، منها الجذاب الرائق، والمبتذل، فنجد مثلا : الاستعارة مرتين، والتقسيم، واللف والنشر غير المرتب، والمبتذل هو الأسلوب الصحفي مثل السابق في : (بادي وحاضرنا).
وتوضيح (اللف والنشر) بالترتيب هو:
غيــث اللقا = سيال
وادي التواصل = .خصب
ولا يخفى ما في إسناد (الغيث) و(الوادي) إلى (اللقاء) و(التواصل) من روعة ورونق، وتناسب.
إن المعنى الذي يريد خيال الشاعر تقريبه هو بالنثر:
{غيث اللقا سيال على وادي التواصل في بادينا، وحاضرنا، كما أن وادي التوصل خصب كذلك}. وهذا يستدعي عدة معان، فينفتح البيت إذن على جميع التأويلات كشأن الأبيات العظيمة، ولشرح هذه الخصوبة يأتي البيتان البديعان:

فاعشوشبت صلة الأرحام وازدرهت ** ففاح من عبق الإصلاح إقبال
وأسدلـــت ذات الأقربين ضــــــــــفا ** ئرا يعانق منها النجم عثكال
من شدة إعجابي بالبيتين أود أن لا أشرحهما، كيلا أذهب بنورهما الوقاد.
فعن طريق الاستعارة المكنية يصور لنا الشاعر نتائج هذا الغيث (الملتقى)، بلغة الشعر، لا الصحافة، وبتحريف متعمد للعلائق، والأساليب، شبه (صلة الأرحام) ب(العشب)، أو ب(الأزهار)، وجاء بلازم من لوازم العشب : (اعشوشبت)، و (ازدهرت)، وهو ابتداع في الإبداع، فأن تصلح صلة الأرحام مقبول عقلا ولغة، ولكن أن تجرد منها صورة طبيعية تعشوشب، وتخضر هكذا لم نعهده إلا في مثل هذه اللغة الشعرية الراقية، وتزيد الصورة بهاء، وجلالا، واستغراقا في الطبيعة، في العجز الثاني، حيث يخلق ل(لإصلاح) (عبقا) يفوح منه (إقبال)، ويا سبحان الله!!!
لا حشو، ولا حوشي، لا غريب، فالمعجم كله شعري أصيل، ومختار بعناية، والصورة أجمل من هذا الوادي الذي يصف الشاعر أفعال الغيث فيه، وهذه الروضة التي كانت صلة الأرحام عشبها المعشوشب، وأزهارها الزاهية، وفوق ذلك ينبعث فواح الإقبال الصادر من هذا العبق، وأي عبق، إنه عبق الإصلاح. (والإقبال: يعني به الشاعر ريح الصبا، نقيض الدبور، ويجدر التنبيه إلى أنني بحثت عن هذا الوزن بهذا المعنى في الصحاح للجوهري، ولم أجد سوى (القبول)، واستدل لها بقول الأخطل: فإن الريح طيبة قبول. وما زاد الإشكال أنني بحثت عنه أيضا في القاموس المحيط، ولم أجده. انظر الصحاح، تحقيق أحمد عبد الغفور، ط4، 1990م، دار العلم للمايين، ج6، ص 1795، باب اللام فصل القاف،) فأين أتى به الشاعر إذن يا ترى؟ (هذا ولا أنكر بتاتا وجودها ولكن أشك ...).

هذه صورة طبيعية مجردة رغم حياتها، قد لا تروقك إن لم تكن شاعرا حقا، ولذا أعاد الشاعر بريشته البديعة لك الصورة من وجه آخر هو:

وأسدلت ذات الأقربين ضفا ** ئرا يعانق منها النجم عثكال
فالمستعار منه هنا هو (الكعوب) أيها الرجل، قد تدلت ضفائرها على المنكبين، وكأن شعرها عنقود النخل، يعانق هذا الوجه الصبوح (النجم)، هذه هي صورة (ذات البين) التي خلفها الملتقى بغيثه، هذه أيضا قد لا تروق المحتشم، فإلى أخرى:
فبالإمكان أن يكون المستعار منه (النخلة)، وطالما شبهها الشعراء بالمرأة، والعكس أيضا، ومن شبهها بالمرأة أبو نؤاس إذ يقول في قصيدة استعار للنخلة فيها كل ميزات المرأة:
فافتض أولها منـــها وآخرها ** فأصبحت وبها من فحلها حبل
لم تمتنع عفة منـــه ولا ورعا ** بلا صداق ولم يوجد له عـقل
حتى إذا لقحت أرخت عقائصها** فمال منتشرا عرجــونها الرجل
وما يهمني هنا هو (عقائصها)، فهي بمثابة (ضفائرها) عند اليعقوبي، معنى وإبداعا، فالترشيح هو ما زاد هذه الصورة قوة، وتوترا، فذات الأقربين، وهي قد أخذت شكل النخلة التي أخذت هي أيضا شكل المرأة، فلا غرو أن يكون لها عثكال، يعانق النجوم، والعثكال في النخلة بمنزلة العنقود من الكرم، إ في العثكال إيحاء بثمارها، ونتاجها، فإذا كان للنخلة التي أرخت عقائصها، وأسدلت عناقيدها ثمار، من أحلى الثمر (التمر) فإن ذات الأقربين التي سقاها غيث الملتقى، سيكون لها من النتائج ما لا يصوره سوى هذا الشعر البديع، كالإصلاح، والقوة، والتضامن.
وتحمل كلمة (يعانق) برغم حمولتها المعروفة في صورة (ب) معنى التضامن، والتكاتف، والتعاون، والتعاضد...إلخ. ولا يفوتنا التنبيه على الدف اللغوي الساحر ، الذي حققه الشاعر في هذه المقطوعة، فالحروف تصدح بنفسها كالناي. فاح/ الإصلاح/ الإقبال. عثكال/ أسدلت..إلخ.
بينما نحن نهيم في ذلك الوادي العجيب الحقيقي، فإذا باليعقوبي يقف فوقنا كعادة مثله من الشعراء المتلاعبين بنا ليقول لنا: هذا الذي طفتم بين رياضه إنما هو مجرد (أمل)، وحلم، صاغه خيالي:


وهكذا شام غيث الملتقى أملي ** والبرق يبسم لي من ثغره الفال
وأمعن النظر ـ يا رعاك الله ـ في ابتسامة (الفال) من ثغر (برق الملتقى)،!! فما رأيناه إذن تفاؤل، وآمال جميلة، وأحلام وردية تليق بهذه الكلمات الزاهية.
وبهذا ينهي الشاعر قصيدته الثانية، ويكمل بالحديث العادي معتذرا عن عدم حضوره ذلك الحدث التاريخي، ويقدم شعره نيابة عنه، ثم يثني على شعره:

وما منى النفس إلا ملء باصرتي ** مرأى إذا حان من ذا الجمع إهلال
أما ولي زحل عزم نأى بي في انت ** ـجاع مجد به في الشرق ترحال
فهذه الشمس تأتيكم على مهل ** تؤودها من تحـــايا الود أحمال
فهو كما تراه، يتمنى أن لو أشبع باصرته برؤية ذلك الجمع البهيج، ولكننه للأسف لا يمكن له ذلك فهو في (الشرق) أي السعودية بالتحديد، وإنما انتجع نحوها طلبا للمجد ليس إلا، ولذا فإنه لا أقل من أن يرسل هذه القصيدة إليهم، وهي مثقلة بحمل التحايا الودية، والبيت المتوسط يشوبه شيء من التعقيد وهنا تبدأ بنية مدح القصيدة في الخاتمة فهي:
أبهى وأفخر من شمس ومن قمر ** شعر له منتهى الإبـداع إكمال
في كل نقطة حرف منه ناطحة **بالحسن ناطقة للمجـــــــــــــــد تمثال
جادت له من سليل الأزد عارضة ** بالسوق في ساحة الأمجاد تختال
ولا نبالي في التناقض السريع الذي أوقع فيه الشاعر نفسه : فهذه الشمس أبهى من الشمس والقمر. لكن ألا يكون هذا التناقض سر الجمال هنا، بلى فهو بمثابة (بدل البداء) إن لم نقل (بدل الغلط)، (شمس، إلا أنها أبهى من الشمس). وبقية البيت نثر منظوم.
كل ذلك جميل جدا، أما الطامة الكبرى فالبيت التالي: {في كل نقطة ...إ}لخ
فمتى كانت ضخامة نقط الحرف ميزة للشعر،؟؟ حتى نبالغ ونشبهها بناطحات السحاب، طالما نحن نبحث عن حروف خفيفة كالخيال، لها حفيف الورق، وهديل الحمام، وتتكرر مصيبة (التكرار) {للمجد تمثال)، لقد قلنا فيه ما يكفي، ونزيد هنا أن هذه الصورة بهذا السلوك اللغوي من الشاعر أفقد (السوق) خصوصيتها بها، فلم تعد تنفرد بها كما ينبغي فيشاركها (الملتقى)، و (النقط)، ولو طبقنا تفكيكية دريدا المعتنية ب(علائق الحضور والغياب)، لأصبح الهول أشد فظاعة هكذا:
1. السوق تمثال المجد. "حضور"
2. السوقيون تمثال المجد. "غياب"
3. الملتقى تمثال المجد. "حضور"
4. النقط تمثال المجد. "حضور"
5. القصيدة تمثال المجد. "غياب"
6. الشاعر نفسه تمثال المجد. "غياب"
فأي واحد من هذه نعطي صورة (التمثال)، ألم يناوشوها بشكل يدل على الفاقة اللغوية ؟
ويغلق الشاعر روضته الغناء بإخبارنا أنه من (سليل الأزد)، وهذا الشعر جادت به (عارضة أزدية سوقية):
جادت به من سليل الأزد عارضة ** بالسوق في ساحة الأمجاد تمثال
وهي تختال في ساحة المجد والأمجاد، ونقول فيها ما قلناه في السابقة من التكرار، فقد مضى (الاختيال) مع (التاريخ) واستحسناه هناك، أما هنا فلا.



وبعد:


فإن اليعقوبي استطاع فعلا أن يبدع، وأن يبتدع لغة شعرية أصيلة، ويحرف اللغة كما يشاء لصالحه، ويتجرأ على قانونها ويخلب لبنا ببيانه السحري الأخاذ، ويهدهد حاستك السمعية بهذا الإيقاع الآسر، بينما يفاجئك دائما بكل ما لا تتوقعه في ألوان استخدام اللغة العربية، بمفردات يتسم جلها بالسلاسة، والعذوبة، فكأنما هي راح نسقيه بكاسات القصيدة الرقراقة، فرأينا قدرة لغوية خارقة تتمثل في (تحريف أسلوبي) عجيب. وتبلغ مواطن التحريف (30) صورة بلاغية، موزعة بين البنيتين، أو القصيدتين، والحصة الكبيرة للأولى.
فالقصيدة رغم هناتها القليلة شعر في أسمى معانيه.
إن مما يوضع في ميزان حسنات اليعقوبي أنه بمثل هذا الشعر يقوم بنقلة نوعية للشعر السوقي عموما، الذي لم يبرح مكانه التقليدي بعد، في أغلب منجزاته القديمة والحديثة، فإن هذه القصيدة تنضح بماء (الحداثة) كفترة زمنية تاريخية على الأقل، إن لم تكن كرؤية واتجاه، فذلك يظهر على مستوى (المفردات) مثل: التمثال/ الشاشة/ الناطحات..إلخ، وعلى مستوى الأساليب أيضا كأغلب الصور التي وقفنا عندها، مثل :فاعشوشبت صلة ..إلخ)، وفي اختياره للكمات القريبة عموما/ بخلاف أغلب شعر السوقيين، الذي يعنى بالكلمات التي يستخدمها امرئ القيس، وبهذا يحاول الشاعر التجديد على ساحة السوقيين، وإن كان عصر التجديد ولى وانقضى في العالم الآخر، فنحن الآن في عصر (ما بعد الحداثة)، ويبقى أن يمارس اليعقوبي أيضا تجربة (الحادثة وما بعدها) كفكر، واتجاه فلسفي، وأدبي.
أما نقدنا للشاعر نفسه بصفته فيلسوفا فهو انه كان (محتفيا، ومحتفلا) بمدينته السوق، ومفتخرا بقومه، وحق له ذلك. ولكن يطلب منه الواجب الشعري في نفس الوقت أن يكون (رافضا) لأوضاع مجتمعه، ناقدا، لا راضيا، فهذا أقل ما يقوم به الشعراء والمفكرون.
أجل، بالرفض يعزل الشاعر مجتمعه كأنه نبي، فهو يرى ما لا يرون، ويتصل مباشرة بالله، أو بعقله الصافي إن لم يكن مسلما، فينطق قلبه بحكمة بالغة في سبيكة العاطفة.
ومن قلب الرفض وحده تنفجر المنابع الشعرية، وداخله تتوقد نيرانه، ويسيل نزيف الإبداع كما الذهب المسبوك. ويجد كل ظامئ مبتغاه، نارا أراد أو ماء، إعصارا أو نسيما...!


لنقرأ القصيدة مرة أخرى: "السوق تمثال المجد" فها هي كاملة:

السوق في ساحة الأمجـاد تمــثال**مرآه في شاشة الصـحراء أطلال
ثم القصور تخالها الصخـــور ولا
مغناه معتبر للعـــين منتــزه
وللأصالة من أحضانه انبجســت** عيون عز بها التاريــخ يختـال
برد المحاسن غض الوشي فيـه وإن**
ما للثقافة إذ تجلى مراكــــزها
ألم يعرب بنحو السوق معجــمها
إن لم يكن مدرج للطائــرات به
فكم أواخ كشامات تنيـــط بها**أعنة الصافنـــات فيه أبطال
وكم صدرن يصدرن العــلوم بلا
وكم وردن حياض السوق مـاردة
ثم انثنت زللا يروي لمـــوردها
وحسبنا الفخر آل السـوق أن بنا
مآثر ما عفت منهن أطلال ** وملتقى السوق للأمجاد تمثال
دعت له نخب لبتهم نجب ** لهم على النجب للعلياء إرقال
توافدوا ليشيدوا برج مكرمة ** وهم بنو وبناة المجد لن يالوا
قوم كفيل بجمع الشمــل جمعهم ** وان تكون جنى الأقوال أفعال
وغب غيث اللقا وادي التواصل في ** بادي وحاضرنا خصب وسيال
فاعشوشبت صلة الأرحام وازدرهت ** ففاح من عبق الإصلاح إقبال
وأسدلـــت ذات الأقربين ضفا ** ئرا يعانق منها النجم عثكال
وهكذا شام غيث الملتقى أملي ** والبرق يبسم لي من ثغره الفال
وما منى النفس إلا ملء باصرتي ** مرأى إذا حان من ذا الجمع إهلال
أما ولي زحل عزم نأى بي في انت ** ـجاع مجد به في الشرق ترحال
فهذه الشمس تأتيكم على مهل ** تؤودها من تحـــايا الود أحمال
أبهى وأفخر من شمس ومن قمر ** شعر له منتهى الإبـداع إكمال
في كل نقطة حرف منه ناطحة ** بالحسن ناطقة للمجــد تمثا
جادت له من سليل الأزد عارضة ** بالسوق في ساحة الأمجاد تختال




تنبيه هام: النسخة الكالمة المرفقة بالمصادر والمراجع، والتوثيق، والتعليق معي، ولخصت منها هذا الذي امامكم، لأمرين:1 مخافة السرقة الإلكترونية، 2/ كيلا أثقل كاهل القارئ هنا، ومن أرادها فليخبرني كي أرسل له نسخة من تلك.


 
 توقيع : محمد أغ محمد

اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا طيبا
وعملا متقبلا


رد مع اقتباس