عرض مشاركة واحدة
قديم 04-18-2012, 06:30 PM   #4


الصورة الرمزية عبادي السوقي
عبادي السوقي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 96
 تاريخ التسجيل :  Jun 2009
 أخر زيارة : 05-02-2024 (09:53 AM)
 المشاركات : 386 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: قراءات في مفهوم الدستور,,



الفصل الثالث

المحتوى و الرقابة على الدستور


المبحث الأول

محتوى الدستورلئن نضرنا إلى الدستور بمفهومه الضيق ، أي اعتباره الوثيقة الدستورية المكتوبة وأردنا التعرف إلى محتواه فإننا نجده يختلف من دولة إلى أخرى ولكن بالرغم من هذا الاختلاف بين دساتير دول العالم فهناك حقيقة واقعة تتمثل في إن الدساتير في أساس وجودها وفي الهدف الذي تسعى إليه ، تخضع لقواعد عامة مشتركة ، وعلى هذا الأساس يمكننا ان نتكلم عن محتوى الدستور وبنائه الداخلي انطلاقا من المعالم و السمات الرئيسية التي تشترك فيها اغلب الدساتير ولو القينا نظرة على الأوضاع الدستورية في عدد من النظم الدستورية لوجدنا كلها تقريبا قد انتهجت في تبويب وثيقة الدستور احد إسلوبين الأول : ويتجسد في صياغة وثيقة الدستور على نحو يُضمنها مقدمة وديباجة تتصدر أحكامها وتمهد لها كما تحتوي قواعد تجسد صلب ومتن الدستور الثاني : ويتجسد في صياغة وثيقة الدستور بشكل لا يتضمن التمهيد لأحكامها حيث لا تحتوي وثيقة الدستور على مقدمة أو ديباجة و إنما يقتصر بناءها الداخلي على القواعد تمثل صلب ومتن الوثيقة الدستورية وفي ضوء ما تقدم سنعرض لمحتوى وثيقة الدستور وذلك في محورين وعلى النحو التالي :

المحور الأول : مقدمة الدستور

المحور الثاني : صلب الدستور



المحور الأول

مقدمة الدستورتحرص بعض الدساتير على أن تتضمن في مستهلها ديباجة او مقدمة وتحتل المقدمة صدر الوثائق الدستورية وبدايتها قبل سرد موادها المختلفة ونتناول بالتحديد المبادئ الأساسية التي يحرص عليها المجتمع و الفلسفة التي تحدد صورة المذهب السياسي و الاجتماعي في الدولة وبصفة خاصة ما يحرص عليه الشعب من حقوق ويتمسك بها وبتعبير آخر تتضمن المقدمة الإشارة إلى منابع الدستور و المبادئ الجوهرية التي يقوم عليها والأهداف التي يسعى المجتمع لتحقيقها وترسم المقدمة – عادة – الخطوط الرئيسية التي يبتغيها واضع الدستور كمنهج لسياسة الدولة وإرادتها وقد تضمنت الديباجة ( المقدمة ) قواعد تتعلق بحقوق الإنسان المدنية والسياسية و الاجتماعية و الاقتصادية والثقافية ويلاحظ إن دستور فرنسا لعام 1791 مثلا يتصدر إعلان الحقوق الصادر عام 1789 كما ان دستور فرنسا لعام 1946 أكد في ديباجته التمسك بإعلان الحقوق الصادر عام 1789 بالإضافة لطرحه في هذه الديباجة ، مبادئ أخرى وقد أكد الدستور الفرنسي لعام 1958 في ديباجته تمسكه ( أو تمسك الشعب الفرنسي – على حد تعبيره ) بحقوق الإنسان كما حددها إعلان الحقوق لعام 1789 وكما أكدتها وأكملتها ديباجة دستور عام 1946 0هذا ويختلف إسلوب صياغة المقدمة ( الديباجة ) فقد تصاغ و تنتظم على شكل فقرات عدة ومن أمثلة ذلك الدستور العراقي لعام 1925 والدستور اللبناني لعام 1926 أو قد تصاغ على شكل سرد وشرح للأفكار وفقا لمنهج علمي وفلسفي ومن أمثلة ذلك الدستور الفرنسي لعام 1946 والدستور الفرنسي لعام 1958 والدستور التونسي لعام 1959 والدستور الصيني لعام 1982 والدستور الموريتاني لعام 1991 والدستور السويسري لعام 1998

ونعرض فيما يلي لبعض الوثائق الدستورية التي تضمنت مقدمة أو ديباجة وقد تضمن الدستور الايطالي لعام 1947 مقدمة احتوت على المبادئ الأساسية التالية : المبدأ الأول : الاعتراف بحقوق الإنسان المبدأ الثاني : الحق في الكرامة المبدأ الثالث : الحق في المساواة أمام القانون المبدأ الرابع : الحق في العمل المبدأ الخامس : الحق في الحرية الدينية المبدأ السادس : تقييد النظام القضائي بالقوانين الدولية المبدأ السابع : حق اللجوء السياسي

كما احتوى الدستور الفرنسي الصادر عام 1946 على مقدمة أشارت إلى (( انتصار الشعوب الحرة على الأنظمة التي حاولت استعباد الإنسان 000)) وقالت إن الشعب الفرنسي يرى أن يعلن مجدداً على اثر هذا النصر إن كل كائن بشري يتمتع بحقوق مقدمة دون تمييز أو تعريف بسبب العنصر أو الدين أو المعتقد 0كما وان المقدمة أعلنت تمسك الشعب الفرنسي بالمبادئ التي تضمنتها قوانين الجمهورية وهذا يعني إن دستور عام 1946 يعترف بالمبادئ التي وردت في (( قوانين هامة )) صدرت من قبل ، كقانون الصحافة و قانون التجمع وقانون الجمعيات والملاحظ إن المقدمة احتوت على ثلاث محاور أساسية : أولا : المبادئ المضافة لإعلان عام 1789 : تضمنت المقدمة مبادئ تشكل إضافات لإعلان الحقوق الصادر عام 1789 وعلى النحو التالي المبدأ الأول : حق المساواة بين المرأة و الرجل المبدأ الثاني : حق اللجوء السياسي ثانيا : المبادئ الاقتصادية و الاجتماعية : أراد واضعو مقدمة 1946 من وراء صياغة هذه المبادئ ، توسيع الديمقراطية السياسية إلى المجالين الاقتصادي و الاجتماعي و على النحو التالي : المبدأ الأول : العمل حق وواجب المبدأ الثاني : الاعتراف الرسمي بالتعددية النقابية و حرية الانتساب إلى النقابة المبدأ الثالث : ممارسة حق الإضراب في نطاق القانون المبدأ الرابع : إسهام كل عامل في تحديد شروط العمل المبدأ الخامس : موقع الأسرة المبدأ السادس الحق بحياة لائقة المبدأ السابع : الحق بالتضامن الوطني المبدأ الثامن : الحق بالتعلم والثقافة

ثالثا : المبادئ المتصلة بالقانون الدولي : أشارت المقدمة إلى التزام الجمهورية الفرنسية و تمسكها بقواعد القانون الدولي العام ولن تخوض أي حرب تستهدف الغزو ولن تستخدم قواتها أبدا ضد أي شعب وتضمن الدستور الفرنسي الصادر عام 1958 مقدمة أوضحت تمسك الشعب الفرنسي بصفة رسمية بحقوق الإنسان و مبادئ السيادة الوطنية كما حددها إعلان عام 1789 وأكدتها وأكملتها مقدمة دستور 1946 - كما حرصت دساتير الدول العربية على تضمين وثائقها الدستورية على ديباجة أو مقدمة تحدد الفلسفة التي تحكم نظام الحكم في هذه الدول فقد تضمن الدستور اللبناني الصادر عام 1926 مقدمة ارتكزت على المبادئ التالية : المبدأ الأول : استقلال لبنان المبدأ الثاني : احترام الحريات العامة المبدأ الثالث : سيادة الشعب المبدأ الرابع : الفصل بين السلطات و توازنها و تعاونها المبدأ الخامس : النظام الاقتصادي الحر المبدأ السادس : إلغاء الطائفية السياسية

كما احتوى الدستور التونسي لعام 1959 على (( توطئة)) أوضحت تصميم الشعب التونسي على توثيق عرى الوحدة القومية و التمسك بالقيم الإنسانية المشاعة بين الشعوب التي تدين بكرامة الإنسان و العدالة والحرية كما أوضحت أن النظام الجمهوري خير كفيل لحقوق الإنسان والتساؤل الذي يرد في هذا المجال حول مدى القيمة القانونية لمقدمة الدستور ( أو الديباجة ) ؟ أثار موضوع القيمة القانونية لمقدمة الدستور الكثير من الجدل بين فقهاء القانون العام و تتراوح الآراء المختلفة حول هذا الموضوع بين الاعتراف لمقدمة الدستور بقيمة أعلى من الدستور وبين عدم الاعتراف لها بأي قيمة قانونية مع وجود آراء عديدة تبنت منهجا وسطا بين هذين الرأيين وتتمثل الآراء الفقهية بما يأتي : الرأي الأول : يعترف لمقدمة الدستور بقيمة قانونية أعلى من قيمة الدستور وأساس هذا الرأي إن المقدمة تدون مبادئ كامنة في ضمير الشعوب يتعين احترامها وهذه المبادئ واجبة الاحترام من السلطة التأسيسية الأصلية التي تضع الدستور 0 وهذا الرأي مردود لسببين أساسين ، الأول لتعارضه مع مبدأ تدرج القوانين الذي لا يتضمن قواعد تعلو الدستور 0 والثاني لتعارضه مع المنطق فالسلطة التأسيسية الأصلية هي التي وضعت الدستور وضمنته مقدمة لا يمكن القول بان إرادتها عند وضع المقدمة أعلى من إرادتها عند وضع المتن أو صلب الدستور 0

الرأي الثاني : يذهب إلى إن مقدمة الدستور لها قيمة قانونية تعادل قيمة النصوص التي يتضمنها الدستور ، طالما ان المقدمة تعتبر جزءا لا يتجزأ من الدستور فالسلطة التأسيسية الأصلية عند وضعها الدستور عبرت عن إرادتها في شكلين :الشكل الأول / هو المبادئ والمثل والأهداف وضمنتها مقدمة الدستور الشكل الثاني / هو القواعد القانونية المحددة التي تعالج على وجه الدقة حقوقا والتزامات واختصاصات ومن هنا فإن المقدمة وصلب الدستور لهما نفس القيمة القانونية باعتبارهما تعبيرا عن ارادة واحدة وصادرين في وثيقة واحدة 0 الرأي الثالث : يمنح المبادئ الواردة في المقدمة قيمة قانونية أدنى من قيمة الدستور وبتعبير آخر قيمة تعادل القانون العادي وسند هذا الرأي إن السلطة التأسيسية الأصلية لو كانت تريد منح هذه المبادئ ذات القيمة القانونية التي تتمتع بها النصوص الدستورية ، لنصت عليها في صلب الدستور



الرأي الرابع : يجرد مقدمة الدستور في كل ما تضمنته مبادئ من القيمة القانونية ويقر لها بالقيمة المعنوية و الأدبية فهي مجرد مبادئ توجيهية على المشرع أن يلتزم بها وان يدخل مضمونها في نصوص قانونية عادية غيرؤ ان هذا الالتزام يظل التزاما أدبيا ، فإذا امتنع المشرع عن ذلك أو خالف محتوى تلك المبادئ فانه لا يجوز التمسك بها قانونا في مواجهة السلطة العامة

الرأي الخامس : لا يساوي بين جميع المبادئ والقواعد التي تضمنها مقدمة الدستور فمضمون هذا الرأي إنما يقوم على التمييز بين نوعين من الأحكام التي تنطوي عليها مقدمة الدستور وهما الأحكام الوضعية والقواعد المنهجية

- الأحكام الوضعية : وهي عبارة عن نصوص محددة تنتمي بمظهرها إلى وجوهرها إلى أحكام القانون الوضعي فهي نصوص قانونية ملزمة بذاتها ويتعين تطبقها فورا شأنها في ذلك شأن نصوص القانون الوضعي فإذا احتوت مقدمة الدستور على النصوص وضعية محددة تكون لهذه النصوص الصفة الإلزامية التي تعادل قوة مواد الدستور ذاتها 0 وهي في ذات الوقت تمثل قيد على المشروع العادي باحترام ما جاء فيها فهي تقرر مراكز قانونية يتعين احترامها 0 ومن أمثلة الأحكام الوضعية التي وردت في إعلان حقوق الإنسان و المواطن الفرنسي والذي أكدت الالتزام به مقدمة الدستور الفرنسي لعام 1946 والدستور الفرنسي لعام 1958 حيث نصت المادة العاشرة من الإعلان على إن لايضار احد بسبب أفكاره أو معتقداته وكذلك المادة السابعة عشر التي قررت (( وجوب التعويض العادل مقدما في حالة نزع الملكية أو الحرمان منها ))

- القواعد التوجيهية أو المنهجية : وهي عبارة عن نصوص غير محددة و تتجرد بذاتها من صفة الإلزام الفوري فان الأفراد لا يستطيعون المطالبة بتطبيقها إذا يقتضي الأمر يتدخل المشرع كي يضع مبادئها موضع التطبيق فيما يصدر من قوانين بحيث يتعين عليه احترامها عند قيامه بالتشريع فإذا اصدر المشرع قانون يخالف هذه القواعد عُد هذا التشريع غير دستوري 0

ويلتزم المشرع إزاء النصوص التوجيهية أو المنهجية بالتزامين : الالتزام الأول : وجوب تدخل المشرع لإصدار القوانين اللازمة لتنفيذ هذه النصوص الالتزام الثاني : فيتمثل في وجوب إصدار المشرع لقوانين تتفق مع هذه النصوص ولا تخالفها بشكل صريح أو ضمني 0 ومن أمثلة النصوص التوجيهية أن تتضمن مقدمة الدستور نص يقرر إن (( الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق )) وفي هذه الحالة لا يستطيع المشرع أن يصدر قانون يعترف فيه ببعض الحقوق للابن غير الشرعي وسوف يكون هذا القانون – إن صدر – مخالفا للدستور 0ونتساءل أي الآراء الفقهية السابقة الذكر يعد الرأي الأرجح و الأوفق في تحديد القيمة القانونية لمقدمة الدستور ؟ نرى إن الرأي الراجح في الفقه يتجسد في الرأي الثاني كونه يمثل اتجاه توفيقي يعطي لمقدمة الدستور قيمة قانونية تساوي قيمة النصوص التي يتضمنها الدستور ذاته

ويستند هذا الاتجاه إلى ثلاث حجج:

- حجة تاريخية : تشير إلى أن إعلانات الحقوق الواردة في المقدمة كانت تعتبر جزءا لا يتجزأ من الدستور

- حجة واقعية : مستوحاة من الممارسة القضائية ، التي تساوي بين المقدمة ومتن الدستور من ناحية القوة القانونية وتخضعها للرقابة على دستورية القوانين 0

- حجة قانونية : ترى في كل دستور نوعين من الدساتير : دستورا سياسيا يحدد نظام الحكم ودستورا اجتماعيا يحدد أسس النظام الاجتماعي وحقوق المواطن والجماعات يعزز هذا الاتجاه ما ذهبت إليه الجهات المختصة بالرقابة الدستورية حيث ذهب المجلس الدستوري في فرنسا في قرار صادر في 16/7/1991 إلى عدم دستورية القانون المعروض عليه لمخالفته لمقتضيات حرية تكوين الجمعيات التي نصت عليها مقدمة دستور عام 1946 واقرها وأحال إليها دستور عام 1958 وأكد المجلس الدستوري إن ديباجة الدستور الفرنسي (( تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الدستور ذاته )) وسار المجلس الدستوري في لبنان على ذات النهج وأضفى على ديباجة الدستور اللبناني قيمة دستورية شأنها في ذلك شأن أحكام الدستور نفسها





المحور الثاني

صلب الدستوريتباين محتوى الوثائق الدستورية بما تضمنه من مبادئ وأحكام ولكن بالرغم من هذا التباين والاختلاف فهناك قواعد مشتركة تتضمنها وتشكل (( النواة الصلبة للدستور)) ويجري تبويب ، صلب ومتن الدستور إلى أقسام أو أبواب وكذلك إلى فصول أو مواد تحتوي المبادئ الأساسية للدولة وتتركز في الجانب السياسي إلى الجانب المتعلق بممارسة السلطة وكذلك الجوانب الأخرى الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية وغير ذلك ، وفي ضوء ماتقدم يمكن تحديد محتوى صلب ومتن الدستور بما يأتي

أولاً : القواعد المتعلقة بالدولة : يشتمل الدستور على عدد من النصوص التي تتصل بالدولة في أساسها و تكوينها وشكلها وقواعد الدستور تبين طبيعة الدولة أي شكلها فتحدد ما إذا كانت دولة موحدة بسيطة او دولة مركبة اتحادية

ثانيا : القواعد المتعلقة بشؤون الحكم في الدولة : تتضمن وثيقة الدستور بيان الأحكام و القواعد المنظمة لشؤون الحكم في الدولة ، وتبين شكل الحكم وما إذا كان ملكيا أو جمهورياً وطبيعة نظام الحكم السياسي ما إذا كان نظام تركيز السلطة أو نظام توزيع السلطة وكذلك ما إذا كان النظام السياسي رئاسيا أم برلمانياً أم مجلسياً أم مختلطاً 0 وتنظم القواعد الدستورية السلطة السياسية وتحدد مصدرها و كيفية ممارستها وانتقالها وتحدد تكوين السلطات العامة و العلاقة بينها حيث تشير قواعد الدستور إلى طرق تكوين السلطات العامة واختصاصاتها وحدود ممارستها لهذه الاختصاصات ويتناول الدستور تنظيم السلطة التشريعية ويبين تشكيل البرلمان ( مجلس واحد – أم مجلسين ) وكيف تجري عملية اختيار أعضائه (الانتخاب – أم التعين ) ويحدد كذلك وظائفه في المجال التشريعي والمالي والرقابي 0وبعد أن يتناول الدستور السلطة التشريعية فانه ينظم السلطة التنفيذية فيبين تكوينها واختصاصاتها وحدود تلك الاختصاصات والمسؤوليات ويحدد الدستور طريقة تولية رئيس الدولة ( الانتخاب – أم الوراثة ) واختصاصاته وكذلك الحال بالنسبة لتكوين الحكومة واختصاصاتها كما ينظم الدستور – عادة – العلاقة بين السلطتين : التشريعية و التنفيذية وهي علاقات تحظى بالتنظيم الدقيق حيث أن اخطر ما تواجهه الدولة هو النزاع بين هاتين السلطتين فهو نزاع قادر على تعطيل الحياة السياسية والدستورية للدولة و عرقلة أعمالها ويرسم الدستور – في الغالب – طرق ووسائل حل التنازع بين السلطتين 0 متى ما فرغ الدستور من ذلك فانه ينظم السلطة القضائية في فصل مستقل إبرازا لدورها كحصن للحقوق وملجأ للمواطنين وضامنا لحماية القواعد الدستورية في مواجهة السلطتين التشريعية و التنفيذية



ثالثا : القواعد المتعلقة بالفكرة القانونية المؤسسة للحكم في الدولة : لا يكتفي الدستور بوصف آلية الحكم وإنما يُعين الاتجاه الذي تسير فيه وتعمل بموجبه انه يعين هدفا للسلطات العامة و الفكرة القانونية التي تسعى هذه السلطات لتحقيقها ومن هذا المنطلق فان النصوص الدستورية التي تحدد الاتجاهات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية في الدولة تبين الأساس الفكري أو الفلسفي الذي تأسس عليه نظام الحكم في الدولة و ترسم الإطار الذي ينبغي إن تعمل في نطاقه السلطات العامة في الدولة وتختلف الدساتير في كيفية بيان الفكرة القانونية حيث نجد إن بعض الدساتير تنص صراحة على الفكرة القانونية الغالبة في المجتمع السياسي الذي جاء الدستور لوصف نظامه ومن أمثلة ذلك الدستور الصيني لعام 1982 الذي ينص على انتقال المجتمع الصيني إلى مجتمع اشتراكي بمستوى عالي من الثقافة والديمقراطية كما تضمن صلب الدستور على عدة نصوص توضح الاتجاهات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية وتضمن الدستور التونسي لعام 1959 الفكرة القانونية المؤسسة للدستور حيث نص في ديباجته على ( إقامة ديمقراطية أساسها سيادة الشعب و قوامها نظام سياسي مستقر يرتكز على قاعدة الفصل بين السلطات ) وقد تضمن الدستور على عدة نصوص تحدد المذهب الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي 0وأوضح الدستور الفرنسي السويسري لعام 1998 الأساس الفكري والفلسفي الذي يرتكز إليه فقد ورد في الديباجة التأكيد على ( تصميم الأقاليم السويسرية على تحديد التحالف لتقوية الحرية والديمقراطية و الاستقلال و السلام في التضامن و الانفتاح نحو العالم 00) وأوضحت نصوص الدستور الاتجاهات الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية في الدولة 0 وقد لا تنص الدساتير صراحة على الفكرة القانونية المهيمنة على النظام و مع ذلك يمكن استنتاج هذه الفكرة بصورة ضمنية عن طريق تحليل طبيعة النشاط السياسي الذي جاء به الدستور و الغرض المقصود منه فعندما يخص الدستور الشعب ، بالقيام بمهام السلطة التشريعية مباشرة أو عن طريق ممثليه – مثلا – فانه يحدد بذلك فكرة قانونية تختلف تماما عما لو ركزت سلطة التشريع في فرد في نظام فردي مطلق أو كذلك عندما ينص الدستور على مبدأ ( عدم جواز عزل القضاة ) فانه يشير بذلك إلى فكرة قانونية تختلف عن تلك التي تضع مصير القضاة تحت رحمة السلطة التنفيذية وصفوة القول إن كل دستور حينما يحدد النظام السياسي – أياً كانت طريقة ممارسة السلطة فيه فهو يتبنى فكرة قانونية أساسية هي منار التنظيم الاقتصادي و الاجتماعي فيه و المبدأ المرشد للنشاط السياسي في الدولة 0

رابعا : القواعد المنظمة لعلاقة الدولة بالفرد : لا تتضمن الوثيقة الدستورية – في الغالب – قواعد تتعلق بتنظيم ممارسة السلطة فقط ، بل توجد بجانب هذه القواعد نصوص تتعلق بتنظيم علاقة الدولة بالفرد وينظر لعلاقة لدولة بالفرد من زاويتين أساسيتين الأولى : حقوق الفرد إزاء الدولة و الالتزامات المتولدة عنها والتي تقع على عاتق الدولة الثانية :واجبات الفرد إزاء الدولة


ويلاحظ إن الدساتير قد أولت علاقة الدولة بالفرد اهتماما كبيرا وحرص واضعوا الدساتير على تضمينها عدد من النصوص تنظم حقوق الفرد إزاء الدولة كما تتضمن نصوص تنظم واجبات الفرد إزاء الدولة (أ) حقوق الفرد إزاء الدولة : يتمثل الجانب الأول لعلاقة الدولة بالفرد في حقوق الفرد ونجد إن المشرعين الدستورين قد ضمنوا الوثائق الدستورية نصوصا تقر وتعترف بتلك الحقوق وتحيطها بضمانات تكفل التمتع بها و ممارستها وتكفل حمايتها وبشأن الأسلوب المتبع في تنظيم الحقوق فيلاحظ أن النصوص المتعلقة بها إما أن تتصدر وثيقة الدستور ، بشكل (( ديباجة أو مقدمة )) ( كما اشرنا سابقا ) أو إنها تكون جزاءا أو باباً من أبواب الوثيقة الدستورية والاتجاه الأكثر شيوعا أن يرد تنظيم حقوق الفرد في متن وصلب وثيقة الدستور قد تضمن دستور العراق لعام 1925 بابا كاملا ( الباب الأول ) خصصت معظم مواده لضمان الحقوق لفردية للمواطنين تحت اسم (( حقوق الشعب )) وسارت على هذا النوال بابا ( الباب الثاني ) بعنوان ((مصدر السلطات و الحقوق والواجبات العامة )) وتعلق عدد من مواده بتنظيم عدد من الحقوق واحتوى الدستور اللبناني لعام 1926 فصلا ( الفصل الثاني ) بعنوان أللبنانين و حقوقهم وواجباتهم وشمل على عدة نصوص منظمة للحقوق المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية - خصص الدستور المصري لعام 1971 بابا ( الباب الثالث ) بعنوان ( الحريات و الحقوق والواجبات العامة ) وتضمن عدد من النصوص المنظمة للحقوق - كما افرد الدستور الجزائري لعام 1996 فصلا كاملا ( الفصل الرابع ) بعنوان (الحقوق و الحريات) - واحتوى الدستور السويسري لعم 1998 باباً ( الباب الثاني ) بعنوان الحقوق الأساسية و حقوق المواطنة و الأهداف الاجتماعية ) وتفرع الى ثلاث فصول ، تضمن الفصل الأول – الحقوق الأساسية – وتضمن الفصل الثاني – الجنسية وحقوق المواطنة و الحقوق الأساسية وأما الفصل الثالث – فتضمن الأهداف الاجتماعية وفي ضوء ما تقدم يمكن القول إن موضوع حقوق الإنسان يعد من الموضوعات التي تشترك بتنظيمها اغلب الدساتير 0 لذلك قيل إن المبادئ المنظمة للحقوق تعتبر من المبادئ الدستورية المشتركة بين الدساتير ومن ثم تعد بمثابة ( دستور دولي مشترك ) والملاحظ إن الدساتير تتباين وتختلف في تقسيمها للحقوق ونعتقد إن اختلاف التقسيمات الدستورية للحقوق يعتبر مسألة شكلية إذ إن تباين التقسيمات لا يؤثر في قيمة أو مضمون الحقوق الداخلة في إطارها 0ويمكن تقسيم الحقوق التي تتضمنها الدساتير ، من حيث مدى التصاقها بالإنسان إلى ثلاثة مجموعات رئيسية : - الحقوق المتعلقة بشخصية الإنسان : وتتضمن جميع الحقوق المتعلقة بكيان الإنسان و حياته وما يتفرع عنها وهي ، الحق في الحياة ، الحق في الكرامة ، والحق في الخصوصية ، و الحق في الأمن ، و الحق في التنقل ، و الحق في حرمة المسكن ، و الحق في سرية المراسلات 0 - الحقوق الخاصة بفكر الإنسان : وتحتوي على الحقوق التي يغلب عليها الطابع الفكري و العقلي للإنسان وتضم ، الحق في حرية العقيدة والعبادة ، و الحق في حرية الرأي ، و الحق في حرية التعليم ، و الحق في حرية الاجتماع ، والحق في حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها 0 - الحقوق المتصلة بنشاط الإنسان : و تتضمن الحقوق التي تتصل بنشاط الفرد و عمله وسعيه للحصول على ما يحقق له الحياة الكريمة وتشمل ، الحق بالعمل ، والحق في حرية النشاط التجاري و الصناعي وغيره من أوجه النشاط والحق في الملكية

ويتضح مما تقدم إن الحقوق تفرض نوعين من الالتزامات تقع على عاتق الدولة - الالتزامات السلبية : وتمثل في مجرد امتناع سلطات الدولة عن عمل وعدم التعرض للأفراد في نشاطهم المادي و المعنوي - أما الالتزامات الايجابية : فهي التي تفرض على عاتق سلطات الدولة التزاما بعمل ، أي بان تنشط لتقدم لأفراد منافع مادية ومعنوية ومن ثم كان من أهم الفوارق من الناحية الدستورية بين الالتزامات السليبة و الايجابية إن غاية المطلوب من سلطات الدولة في مجال الالتزامات السلبية هو أن تقف عند حدها ، فإذا تدخلت كان تدخلها محدوداً بالضرورة ،صيانة لمكانة المواطنين الآخرين 0وعلى العكس من ذلك فغاية المطلوب من سلطات الدولة في مجال الالتزامات الايجابية هو أن تعاون وتعمل وكلما وسعت الدولة في عونها ارتفع المستوى الاجتماعي العام وخفت وطأة العوز والحرمان وعمت الرفاهية ، فالا حكام الدستورية الخاصة بالحقوق و التي تفرض التزامات سلبية تصاغ بحيث تحقق حماية الفرد من احتمال تعسف السلطات الحاكمة بينما الأحكام الدستورية الخاصة بالحقوق و التي تفرض التزامات ايجابية ، تصاغ بحيث تحقق معاونة السلطات الحاكمة لفرد في سبيل إسعاده فإذا نص الدستور – في باب الحقوق – على إن (( للمسكن حرمة )) فهذا يفيد انه ليست للسلطات الحاكمة شأن فيما يجري في المساكن وليس لها أن تقتحم على الأفراد مساكنهم ألا لضرورة قصوى وبسبب معلوم ، بإذن من القضاء ، والكمال هنا هو أن تقف السلطات موقفا سلبياً 0 أما إذا نص الدستور – في باب الحقوق – ( أو الالتزامات الايجابية )١ على أن يكون (( تكفل الدولة للمواطن السكن والغذاء والكساء والعلاج والتعليم )) فهذا يفيد للمواطن أن يطالب السلطات بالقيام بعمل ايجابي إلى أقصى حد ممكن 0

(ب) : واجبات الفرد إزاء الدولة أن الجانب الثاني لعلاقة الدولة بالفرد يتعلق بواجبات الفرد ونجد في هذا الإطار أن الدساتير لم تقتصر على تنظيم الدساتير في معالجتها لواجبات الفرد من فكرة إيجاد التوازن السليم بين مصالح الفرد ومصالح الآخرين بالمتطلبات المعقولة للمجتمع 0فليس الفرد متلقيا للحقوق فقط وإنما هو مخاطب أيضا بواجبات تترتب علية إزاء الأفراد الآخرين وإزاء المجتمع الذي ينتمي إليه والذي يتمكن فيه من تنميه ذاته روحيا وعقليا وجسمانيا 0ومن كل ما تقدم يظهر بوضوح إن الفرد علية واجبات إزاء المجتمع ويتحدد حق كل فرد في الاضطلاع بهذه الواجبات بحقوق الآخرين وبالقوانين العادلة للدولة الديمقراطية0



 
 توقيع : عبادي السوقي

أبحث عن الحقيقة شارك في صنع حياه مثاليه أمتلك المعرفة فإن هناك من يحاول إخفائها عنك حتى تظل أسيرا له


رد مع اقتباس