عرض مشاركة واحدة
قديم 04-18-2012, 06:28 PM   #2


الصورة الرمزية عبادي السوقي
عبادي السوقي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 96
 تاريخ التسجيل :  Jun 2009
 أخر زيارة : 05-02-2024 (09:53 AM)
 المشاركات : 386 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: قراءات في مفهوم الدستور,,




المبحث الثاني

وجود الدستورأولا : شروط وجود الدستور

أ- يعتبر وجود المجتمع السياسي من الناحية القانونية الشرط الأساسي لوجود الدستور وهذا يعني أن وجود الدولة ( من الناحية القانونية ) الدولية هو الشرط الأساسي لوجود الدستور أو القاعدة الدستورية فالدولة إذن أقدم من الدستور في الوجود من الناحية الزمنية وبمعنى آخر أن الدولة تسبق الدستور بالوجود و الدولة تتكون حالما تتوفر الشروط الجوهرية وهي وجود جماعات من الناس ذات غاية واحدة تقيم فوق إقليم معين وتتمتع بالسيادة والشخصية المعنوية 0وقيام الدولة يقتضي وجود قواعد دستورية سواء كانت تلك القواعد ، مدونة في وثيقة مكتوبة أو قواعد غير مدونة ( عرفية ) استقر في وجدان الجماعة فارتفعت إلى مستوى إلزام القانون

ب- يعتبر تحقق الفصل بين السلطة والأشخاص الذين يمارسونها شرط لوجود الدستور 0إذ يوجد الدستور عندما يصبح بالإمكان وضع القواعد الأساسية للدولة وتنظيم حياة الأفراد والتفريق بين السلطة والهيئات التي تتولى ممارستها وعليها فأن الدستور يتضمن قواعد تحديد اختصاصات الحكام والمبادئ الأساسية التي يتوجب عليهم احترامها وبخاصة المتعلقة بحقوق الأفراد

ج- يعتبر إقامة نظام الحكم على أساس ديمقراطي ، شرط الدستور 0فوجد الدستور يرتبط بمضمونه وأنه لا يكفي القول بوجوده أن يتضمن قواعد المنظمة للسلطة السياسية للدولة وإنما يجب أن يتضمن فضلاً عن ذلك القواعد التي تكفل وتصون حقوق الأفراد حيث يتوجب أن تتضمن القواعد الدستورية إقامة نظام حكم يتبنى مبادئ نظام الحكم الذي يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات ومبادئ سيادة الشعب ، ويقر ويضمن حقوق الإنسان 0ولقد عبر عن هذا الاتجاه الفقه التقليدي والذي ربط بين الدستور والنظام الديمقراطي الحر فالدستور لا يوجد – في نظره – إلا في دولة يقوم فيها الحكم على أسس ديمقراطية واستند هذا الفقه إلى الدستور الأمريكي الصادر عام 1787 والذي كفل الحريات الفردية عن طريق تقييد السلطة ، كما استند أيضاً إلى إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي الصادر عام 1789، وبصفة خاصة ما نصت عليه المادة السادسة عشر منه من أن (( كل مجتمع لا يكفل ضمانات الحقوق ، ولا يأخذ بالفصل بين السلطات ، هو مجتمع ليس له دستور)) وعلى هذا النحو يستلزم وجود الدستور أن يتضمن المبادئ الديمقراطية التي تجعل من سلطة الحكام سلطة مقيدة لا مطلقة ويكفل نظاما للحكم تصان فيه حقوق الأفراد ونحن من جانبنا ، نعضد هذا الاتجاه ، ونؤكد ضرورة التفرقة بين أمرين : الوجود الشرعي للدستور والوجود الفعلي للدستور

فالوجود الشرعي للدستور ، يستلزم أن يوضع الدستور ( المدون ) من قبل السلطة التأسيسية الأصلية ( السلطة المؤسسة ) و المتمثلة بالشعب ، وأن يؤسس الدستور ( المدون و غير المدون ) نظام حكم مقيد لا مطلق بحيث تتقيد جميع السلطات الحاكمة فيه بالقواعد الدستورية على نحو يضمن حقوق الأفراد و على هذا الأساس فأن الوجود الشرعي للدستور يقتصر على بعض الدول التي تتبنى النظام الديمقراطي

أما الوجود الفعلي للدستور ، فأنه يتحقق في كل دولة أياً كان النظام السياسي السائد فيها مقيداً آم مطلقاً ما دام فيها تنظيم للسلطة فالدستور يكون موجودا فعليا في الدول ذات الحكم الديمقراطي والدول ذات الحكم المطلق فالبرتغال كان لها دستور هو الدستور الصادر عام 1963 في الوقت الذي كلن يسودها نظام حكم دكتاتوري ، وأثيوبيا كانت أيضاً دولة ملكية مطلقة وكان لها دستور هو الدستور الصادر عام 1955 والتاريخ الدستوري مليء بأمثلة لعدة دساتير ، أقامت نظم سياسية معادية للأنظمة الديمقراطية ، كدستور النمسا لعام 1934 ودستور بولونيا لعام 1935 0وصفوة القول أن لكل دولة دستور ذلك أن لكل دولة قواعد تتعلق بنظام الحكم بغض النظر عما إذا كان الدستور مدون أم غير مدون ولكل دولة دستور بغض النظر عن طبيعة نظام الحكم فيها ، سواء كان الحكم مطلقاً أم مقيداً ، وأياً كانت الفلسفة التي تدين بها الدولة

- والتساؤل الذي يطرح في هذا الشأن : عن الفرق بين مصطلحين ( دولة لها دستور ) و ( دولة دستورية) يميز الفقه بين مصطلح (( دولة لها دستور )) و (( دولة دستورية )) ذلك أنه لكل دولة حتما دستور ينظم السلطات فيها إلا أنه ليس من الضروري أن تكون هذه الدولة دولة دستورية أو دولة ذات نظام دستوري والدولة الدستورية هي دولة يتضمن دستورها ، المبادئ الديمقراطية التي تكفل قيام حكم مقيد يصون الحقوق والحريات 0 وبهذا يتضح اختلاف مصطلح (( دولة ذات الدستور)) و مصطلح (( دولة دستورية ))

ثانياً : الصلة بين وجود الدستور وسيادة الدولة :يتجه جانب من الفقه إلى القول بوجود الدستور إذا تطورت الجماعة البشرية وأصبح فيها تنظيم للسلطة واتخذت هذه الجماعة شكل الدولة و الملاحظ أن الدستور يوجد في كل دولة بغض النظر عن الفلسفة السياسية التي تنتهجها إذا كان وجود الدستور أمر يرتبط بوجود الدولة فهل المقصود بلفظ الدولة في هذا المقام الدولة كاملة السيادة فقط أم أنه يمتد ليشمل الدولة ناقصة السيادة بمعنى آخر هل يقتصر وجود الدستور على الدولة كاملة السيادة فقط دون الدولة ناقصة السيادة يسلم جانب الفقه الدستوري بأن وجود الدستور لا يقتصر على الدولة كاملة السيادة وإنما يمتد ليشمل الدولة ناقصة السيادة فالدولة ناقصة السيادة يمكن أن يكون لها أيضاً دستور وقد استند الفقه في تأسيس وجهة نظره على أن الدولة ناقصة السيادة إذا امتلكت القدرة على تنظيم سلطاتها العامة الداخلية في وثيقة معينة فأن الوثيقة تسمى دستور 0


لم يقف الفقه عند هذا الحد بل أقر بوجود الدستور في الدولة ناقصة السيادة حتى إذا كانت الدولة الحامية أو الدولة صاحبة الوصاية هي التي وضعت هذا الدستور ولا يفقد صفته إلا إذا كانت الدولة خاضعة للوصاية لا تستطيع تغيره بإرادتها متى رأت ذلك 0ومن خلال استقراء ما ذهب إليه جانب من الفقه بشأن مسألة وجود الدستور يجدر أن نلاحظ ما يلي :

1- أن الرأي الذي تبناه جانب من الفقه الدستوري قد ارتكز على المعيار الشكلي في بحث مسالة وجود الدستور في الدولة ناقصة السيادة ومفاد هذا المعيار الاعتماد على مصدر القواعد الدستورية أو الشكل الذي تصدر فيه وكذلك الإجراءات التي تتبع في وضعها وفي تعديلها ومن ثم اقر الفقه بوجود الدستور في حالتين - صدور وثيقة الدستور من جانب الدولة ناقصة السيادة - صدور الدستور من جانب الدولة الحامية أو الدولة صاحبة الوصاية وأنكر الفقه وجود الدستور في الحالة الثانية إذا لم يكن في استطاعت الدولة ناقصة السيادة أن تغير أحكام الدستور عندما تشاء ذلك

2- لقد اغفل أصحاب هذا الرأي المعيار الموضوعي في بحث مسالة وجود الدستور في الدولة ناقصة السيادة و مفاد هذا المعيار الاعتماد على مضمون القواعد الدستورية ومحتواها ومدى تنظيمها للسلطة السياسية وكفالتها لحقوق الأفراد 0وبعبارة أخرى ، مدى تبني قواعد الدستور لمبدأ تقيد السلطة بالشكل الذي يضمن الحقوق ويصونها

3- لم يكن الفقه موفقا فيما ذهب إليه من الإقرار بوجود الدستور – بصفة عامة – في الدولة ناقصة السيادة -0حيث لم يميز أصحاب هذا الاتجاه بين حالتين : - الوجود الفعلي والواقعي للدستور - الوجود الشرعي والقانوني للدستور- ونرى وجوب التميز بين هاتين الحالتين :

الحالة الأولى : الوجود الفعلي والواقعي للدستور :يمكن الإقرار بوجود الدستور من الناحية الفعلية أياً كانت السلطة التي أقامته سواء الدولة ناقصة السيادة أو الدولة صاحبة الحماية أو الوصاية

الحالة الثانية : الوجود الشرعي والقانوني للدستور: يقتضي وجود الدستور من الناحية الشرعية أن يساهم الشعب بشكل مباشر أو غير مباشر في كتابة وثيقة الدستور وإقرارها والموافقة عليها 0وسواء أنفرد الشعب في هذا الشأن أم اشترك مع الدولة (ناقصة السيادة) في إقامة ووضع الدستور هذا ولا يمكن الإقرار بوجود الدستور إذا صدرت وثيقة الدستور من الدولة ناقصة السيادة دون إسهام الشعب في وضع تلك الوثيقة وإقرارها وكذلك في حال صدرت وثيقة الدستور بالإرادة المنفردة للدولة صاحبة الحماية أو الوصاية أو في حال صدرت تلك الوثيقة باتفاق إرادتين بإرادة الدولة ناقصة السيادة وإرادة الدولة صاحبة الحماية أو الوصاية متجاهلة إرادة الشعب ودوره في هذا المجال و التساؤل الذي يرد في هذا الشأن : عن مدى حرية الدولة ناقصة السيادة في وضع وتعديل الدستور لئن كان الدستور يمكن أن يوجد في الدولة ناقصة السيادة فأنه يجب أن يلاحظ أن حرية هذه الدولة في وضعه أو تعديله لن تكون كاملة فهي لن تستطيع بطبيعة الحال أن تضع لنفسها دستور يؤمن لها نظام دستوري ديمقراطي يضمن ويصون حقوق الأفراد بالشكل الأمثل إذ يكون طبيعياً أن تعمل الدولة الحامية أو صاحبة الوصاية على أن تضمن نصوص الدستور ، من المبادئ التي تباعد بين الشعب وسيادته حتى يجعل من سيادة الشعب سيادة إسمية وغير فعلية أو تجعل من السلطات العامة في الدولة أداة طبيعية و موالية لها الأمر الذي يعمل على تدعيم مركزها ويثبته في الدولة المحمية أو الخاضعة للوصاية 0أن التجارب الدستورية تبين بوضوح أن الدساتير التي صدرت في الدولة ناقصة السيادة ( أبان عهد الحماية أو الانتداب ) كانت متأثرة إلى حد كبير بالوضع السياسي السائد فيها وأن حقيقة هذه الدساتير تشير إلى أنها كانت تنظيما للسلطة السياسية فقط وبحسب رؤية الدولة الحامية أو الدولة صاحبة الوصاياً فالملاحظ أن هذه الدساتير لا تتضمن أي تنظيم لحقوق الأفراد واستثناءا من ذلك يمكن أن نجد بعض تلك الدساتير قد تضمنت تنظيم لحقوق الأفراد إلى جانب تنظيمها للسلطة ولكن هذا التنظيم يعد تنظيم شكلي أو أسمي و غير واقعي 0أن الوثائق الدستورية التي توضع في الدولة ناقصة السيادة سوف تبتعد بطبيعة الحال عن الأنظمة النيابية الحرة وتقترب إلى حد ما إلى أنظمة الحكم المطلقة



المبحث الثالث

طبـيعـة الـدسـتـوراختلف الفقهاء وتباينت اتجاهاتهم بشأن طبيعة القواعد الدستورية ويمكننا تلخيص آرائهم في هذا الصدد بالحديث عن الاتجاهات الأربعة التي اتخذها أساسا لتحديد طبيعة قواعد الدستور , وعلى النحو الآتي :

الاتجاه الأول : القواعد الدستورية ذات طبيعة قانونية

ذهب جانب من الفقه إلى أن القواعد الدستورية , هي قواعد ذات طبيعة قانونية وهي لا تختلف من حيث الطبيعة عن غيرها من القواعد التي تحكم الأنشطة المختلفة في الدول 0واستند هذا الاتجاه إلى فكرة سمو الدستور ذلك أن قانونية الدستور مرتبطة ارتباطا وثيقا بفكرة سمو وعلوية الدستور 0وعلية فأن الدستورية تتوج الهرم القانوني بحيث أن الدستور يعلو على جميع القواعد القانونية في الدولة كما أن هذه القواعد تستمد قوتها الملزمة من الدستور0وبناء علية فأن جميع القواعد القانونية في الدولة تكون معلقة على الدستور بحيث يكون الدستور مصدر صحتها وقانونيتها وبما أنه هو الذي يعطيها هذه الصفة القانونية فمنطقيا يتوجب أن يتمتع الدستور بنفس الصفة التي تتمتع بها هذه القواعد ( وهي الصفة القانونية ) 0فالدستور أذن هو مجموعة قواعد قانونية لا تختلف في طبيعتها عن القواعد الأخرى بل هو مصدر قانونية هذه القواعد 0ومن هنا يجيء الربط ، بين سمو وعلوية الدستور ، طبيعته القانونية : فالدستور يعلو على جميع القواعد القانونية في الدولة وهو بالتالي مصدر قوتها إذ منه فقط ، تستمد صحتها أي قوتها الملزمة حين تكون موافقة له من حيث طريقة إقامتها و من حيث مضمونها 0

الاتجاه الثاني : القواعد الدستورية ذات طبيعة غير قانونية

أنكر جانب من الفقه الطبيعة القانونية على القواعد الدستورية وذلك لافتقار هذه القواعد لعنصر الجزاء 0وقد أيد هذا الاتجاه أصحاب المدرسة الشكلية في القانون وعلى رأسهم الفقيه الإنكليزي(أوستين Austin)0 والجزاء بالنسبة لأصحاب هذه المدرسة يعتبر عنصر جوهري من عناصر القاعدة القانونية وهذا الجزاء يجب أن يكون محدداً ومنظماَ ويتمتع بطبيعة مادية وهناك سلطة عليا تستطيع أن تفرض هذا الجزاء وبالتالي لا يمكن اعتبار القواعد الدستورية قواعد قانونية بسبب افتقارها لعنصر الجزاء 0وهم يصلون إلى لهذه النتيجة من خلال اعتقادهم في عدم إمكانية تطبيق أي جزاء على الجهة التي تخالف القواعد الدستورية ويرون أنه إذا كان عنصر الجزاء – وهو العنصر المهم في القاعدة القانونية والذي يميزها عن غيرها من قواعد السلوك الاجتماعي – يتمثل في احتمال تدخل القوه الجبرية عند الاقتضاء وما دامت الدولة التي تحتكر وحدها في المجتمعات الحديثة هذه القوة الجبرية فأن معنى ذلك أن يختلط القانون


بإرادتها وبالتالي فلن تكون قواعد ملزمة لها لأنة لا يمكن أن تكون هذه القواعد نافذة بحقها قسرا لعدم وجود سلطة أعلى موكل لها تنفيذ هذه القواعد بحقها أذا ما اقتضى الأمر وعلية فليس من المعقول أن تكون الدولة الخصم والحكم في الوقت ذاته0واتفاقا مع هذا المنحنى من التحليل تفقد القواعد الدستورية خاصيتها الملزمة للدولة وهو الأمر الذي يزيل الصفة القانونية 0- غير أن اغلب الفقهاء يرفضون الرأي المتقدم الذي ينكر على القواعد الدستورية قانونيتها ويعتقدون بأن القواعد الدستورية تعتبر من قبيل القواعد القانونية0

ونحن نتفق مع الغالبية العظمى من الفقهاء ( الغربيين والعرب ) والذين يعتبرون القواعد الدستورية من قبيل القواعد القانونية 0ويمكن الدفاع عن قانونية القواعد الدستورية بالحجج التالية :

1- يلاحظ أن المدرسة الشكلية قد ربطت بين القاعدة القانونية والجزاء المادي الذي توقعه الدولة أو اعتبرت أن القاعدة التي لا تتضمن جزاء ماديا توقعه الدولة على المخالفين لا تعتبر من قبيل القانون في شيء0وقد فات على المدرسة الشكلية أن الجزاء الذي يجب أن يوقع عند مخالفة القاعدة القانونية لا يتخذ صورة واحدة بل تتعدد صوره ويرجع سبب هذا التعدد إلى اختلاف القواعد القانونية الفرع الذي تنتمي إليه من فروع القانون إذ يتلائم الجزاء مع مضمون ومستوى القاعدة القانونية وكذلك طبيعة المصالح التي تتكلف القاعدة القانونية بحمايتها 0فالجزاء في القانون الجنائي يدور حول الحكم بالغرامة أو مس الحرية فيقيدها ( الحبس ) أو يمس الحياة ( الإعدام ) وذلك طبقا لجسامة الجرم المرتكب والجزء في القانون المدني يختلف تماما عن الجزاء في القانون الجنائي فقد يكون الجزاء عبارة عن بطلان التصرف الذي تم مخالفا للقانون أو التعويض المالي 0 في ضوء ذلك فالجزاء في القواعد الدستورية يختلف بطبعته عن الجزاء في غيرة من فروع القانون الأخرى 0

2- تتضمن القواعد الدستورية جزاء يضمن لها احترام الدولة وسلطتها العامة 0

ويتخذ الجزاء في القاعدة الدستورية صورتين :الجزاء المنظم والجزاء غير المنظم 0- ويتمثل الجزاء المنظم في إيجاد نوع من الرقابة المتبادلة من السلطات العامة بحيث أذا خرجت أحداها على مقتضى ما يقرره الدستور من إحكام كان للسلطتين الاخريتين أن ترداها إلى جادة الصواب وألزمتها باحترام القواعد الدستورية فالسلطة التنفيذية تستطيع اللجوء إلى حل البرلمان حلاً رئاسيا أو وزاريا في حالة مخالفة للدستور كما أن البرلمان يستطيع هو الآخر أن يسحب الثقة من الحكومة وفي اتهام أعضاءها ومحاكمتهم أما السلطة القضائية فأنها تستطيع حماية قواعد الدستور من الانتهاك عن طريق مراقبة مدى تطابق القوانين التي تسنها السلطة التشريعية مع الدستور والتي تؤدي إلى إلغاء القانون المخالف للدستور أو الامتناع عن تطبيقه فهذه العملية تعتبر أيضاً جزاء يفرضه القضاء على المشرع في حالة مخافة القواعد الدستورية


- إما الجزاء غير المنظم فيتخذ شكل رد الفعل الاجتماعي الذي يحدث مخالفة قاعدة دستورية 0ومن هذا المنطلق يمكن أن نتصور وجود جزاء على من يخالف القاعدة الدستورية غير أن هذا الجزاء غير محدد وغير منظم ويصطلح على تسميته (الجزاء المرسل ) ويأخذ إشكال مختلفة ومن هذه الإشكال: استياء الرأي العام والاحتجاج ، والعصيان المدني والانتفاضة وقد يتطور هذا الجزاء ويصل إلى حد الثورة والإجهاز على النظام القائم 0وهكذا يجد الجزاء مكانه في قوة الرأي العام ورقابته لحكامه ، واستعداده للذود عن دستوره ودرء أي اعتداء يقع علية مستخدما مختلف الوسائل التي لا تخلو من عامل القهر والإجبار ويلاحظ من استقراء التجارب الدستورية أن حماية الدستور تتوقف على وعي الشعب وصدق إخلاص الإفراد حكاما ومحكومين ، كما تتوقف على درجة حرصهم على الدستور ووفائهم له وهذا لا يتحقق إلا أذا جاء الدستور من وحي حياة الشعب وتاريخه وأهدافه ومعبر عن آماله و أمانيه 0

الاتجاه الثالث : القواعد الدستورية ذات طبيعة سياسية أبرز جانب من الفقه أن القواعد الدستورية هي قواعد ذات طبيعة سياسية وأن هذه الطبيعة تكمن في أن القواعد الدستورية تبين الطريقة التي تمارس بها السياسة في الدولة إلا أن القواعد الدستورية لا يمكن أن تبين طريقة ممارسة السلطة دون أن تحدد أو تكرس القابضين على هذه السلطة 0و تنظيم القواعد الدستورية إشكال ممارسة السلطة السياسية وفق نظامين :نظام تركيز السلطة و نظام توزيع السلطة 0

فبالنسبة إلى نظام تركيز السلطة : فأن الطبيعة السياسية للدستور بوضوح أكثر ففي هذا النظام سيبقى الدستور متمتعا بميزته الأولى كوسيلة لتكريس سلطة فرد أو فئة أو حزب أو طبقة 0وعلية فأن الدستور في ظل هذا النظام سيبين طريقة تركيز السلطة بيد فرد بحيث يعود له وحدة أمر ممارستها كما أن السلطة يمكن أن تتركز بيد جماعة قليلة من الإفراد ( لجنة ) كما يمكن أن تتركز بيد جماعات كبيرة من الإفراد تشكل مجلسا أو جمعية ومن ثم فأن الدستور يعد وسيلة لتكريس القوه المهيمنة في الدولة أو بعبارة أخرى وسيلة يتحدد بمقتضاها القابض على السلطة في الدولة 0أما بالنسبة لنظام توزيع السلطة : فأن الطبيعة السياسية للدستور تتضح من خلال آلية ممارسة السلطة وفي هذا النظام نجد أن الهيئات الحاكمة تتعدد وتوزع السلطة بينها0فهناك أذن أسهام مشترك بين هذه الهيئات الحاكمة في ممارسة السلطة في الدولة 0وعليه فأن الدستور – في نظام توزيع السلطة – هو وسيلة توازن سياسي فالسلطة لا تعود إلى قابض واحد بل هناك ، إسهام مشترك في القبض عليها وفي ممارستها ومن ثم فأن القواعد الدستورية هي قواعد توازن سياسي أي أنها قواعد سياسية تنظم العلاقة بين القابضين على السلطة 0وهذه الحقيقة أدركها الأستاذ ( جورج سلGeorges Seelle ) حين قال (( أن القواعد الدستورية هي بالأحرى قواعد توازن سياسي أكثر من كونها أساساً للمشروعية ...)) وهذا يعني أن الدستور تبرز أهميته في نظام توزيع السلطة كوسيلة توازن سياسي يبين مدى أسهام الحكام في ممارسة السلطة



الاتجاه الرابع : القواعد الدستورية ذات طبيعة قانونية وسياسية:

يرى جانب من الفقه أن القواعد الدستورية تحمل طبيعة مزدوجة فهي قواعد ذات طبيعة قانونية وسياسية ذلك أن الدستور هو الوثيقة القانونية والسياسية الأسمى في الدولة ، أو الإطار العام الذي يحدد نظام الدولة وينظم عمل السلطات فيها ويكفل حقوق الأفراد والجماعات ويجسد تطلعات الشعب و لهذا فأن أي تغيير أو تبديل يطرأ على البنية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية للدولة يستتبع حتماً تبديل دستورها أو تعديله بما يتلائم مع الأوضاع أو الظروف الطارئة أو المستجدة ولأن الدستور هو القانون الأعلى للدولة فأن جميع التشريعات التي تصدر في الدولة يجب أن تخضع لأحكامه 0


والناحية المهمة التي تسترعي إنتباهنا هي أن الدستور ليس فقط مجموعة من القواعد القانونية المدونة في وثيقة مكتوبة تتعلق بنظام الحكم في الدولة وإنما هو عملية صياغة قانونية للفكرة سياسية استطاعت في صراعها مع الأفكار الأخرى أن تؤكد إنتصارها بوصولها إلى السلطة وفرض فلسفتها واتجاهاتها كقواعد قانونية ملزمة 0ومن هنا فأن الدستور حين يبني النظام القانوني لسلطة الدولة يؤكد كذلك سيطرة القوة السياسية الصاعدة كما يرسي الأسس اللازمة لكفالة عنصر الشرعية لهذه القوة وفي ضوء ذلك يمكننا القول بفكرة الحياد السياسي للدستور والمقصود بها أن الدستور يقوم بدور في تنظيم الحكم ، أياً يكن النظام السياسي القائم سواء كان ديمقراطياً أم غير ديمقراطي فكلما صعدت إلى سلطة الدولة قوة سياسية جديدة حملت معها فلسفة سياسية جديدة و لا يكون الدستور في هذه الحالة إلا صياغة قانونية لها لكل ما تقتضي به في شأن نظام الحكم وسلطة الدولة وحقوق الأفراد وحرياتهم العامة 0ولهذا قيل أن الدستور هو الوثيقة القانونية الأسمى التي توضع في لحظة تاريخية معينة لتحدد طبيعة النظام السياسي و هوية المجتمع والدولة وتعكس ميزان القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية المؤثرة في تلك اللحظة 0


 
 توقيع : عبادي السوقي

أبحث عن الحقيقة شارك في صنع حياه مثاليه أمتلك المعرفة فإن هناك من يحاول إخفائها عنك حتى تظل أسيرا له


رد مع اقتباس