عرض مشاركة واحدة
قديم 05-19-2014, 08:31 PM   #2


الصورة الرمزية الدغوغي
الدغوغي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 العمر : 14
 أخر زيارة : 02-17-2024 (10:02 AM)
 المشاركات : 549 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: 107. سعد الدين بن عُمار الإدريسي الجلالي السوقي



ومن حالته مع شيخه حماد أنه لا يذكر ما بينهما من القرابة النسبية خشية أن تكون محبته وبره له لأجل القرابة ، صرح لي بذلك غير مرة ، وشيخه هو الذي يثني عليه ويقربه ويصفه بالإصابة في الأمور ووضع الأشياء في مواضعها ويقول : خالي وابن أختي ويذكر تارة أنه من بني عمه .وكانت القرابة بينهما مشتبكة من وجوده كثيرة منها ، منها أنهما يلتقيان في الجد التاسع عليّ بن يحي ، ومنها أن أم كل منهما بنت عم الأخر يلتقي معها في الجد الثالث وأم أم الشيخ المترجم تلتقي مع شيخه في الجد الثاني وبينهما كثير من القرابات سوى هذا ، ويعتبر تلك القرابات فيمن سوى شيخه ممن يشاركه فيها ، وأما هو فأقرب قرابة يتقرب بها إليه قرابة المشيخة والتلمذة التي هي أجدى وأبقى ، ومن حسن اعتقادهه فيه ماكنت أسمعه منه كثيرا وكتبه في كتابه ( تنبيه الإخوان ) وخاطبه به في الشعر الذي أنشده وأرسله إليه برسم اتخاذه شيخا مربيا ومرقيا وحصنا وملجئا ، وهو أن سكون البلاد وطمأنينية أهلها ، وبث الأمن فيها ، وأمن الطرق وكثرة الخصب والبركة وكثرة ظهور العلم في أقوام ليسوا من أهله في الأزمانن الماضية ، وزيادة العلوم فيمن كانوا يتعلمون قبل كل ذلك ببركة الشييخ وهمته ودعائه وإرشاده وتدبيراته المصيبة ، وإذا سمع من يتحدث بالزلازل والفتن الماضية قبل التغلب الفرنسي وأسند تسكين تلك الزلازل وإخماد نيرانها إلى فرنسا زجره عن ذلك وقال له الشرّ لا يأتي بالخير ، وذكر له أن ما حدث في البلاد من الخير إنما كان ببركة صاحب الوقت وهو شيخه وإنما ظن الناس أن ما أصبحوا فيه من الخير إنما حصل بواسطة فرنسا لأن العام الذي جاء فيه بعض قوادهم إلى قرية تنبكت التي هي قاعدة البلاد هو مبدأ ظهور أمر الشيخ للخاصة وإن كان ظهوره للعوام بعد ذلك بسنين ، وهو الذي وردت عليه فيه الواردات الأولى ووجد الناس بركتها ثم كلما حدث منها شيء ازدادت البركة حتى تمت بظهوره البين للخاص والعام . هذا معنى ما كمنت أسمع منه كثيرا ، ولا أظنه حدث به عن تخمين وظن ، بل عن يقين وجزم لـمَا رأيت فيه من إنكار الكذب وبعض أهله وما أعلم منه من التباعد عن إعاء الكشف والتطلع إلى معرفة الغيوب فإذا أتى بصيغة الجزم في الأخبار علمنا أنه لا يخبر إلا عن يقينه ، وما ذكرت من حاله معه يسير ، وتفاصيله يضيق عنها نطاق التعبير .
وأما محبته شيوخه له ورضاهم عنه فأمر اتفقت عليه كلمتهم من شيخه الذي أخذ عنه النحو وهو صبي إلى شيوخه في علوم الظاهر إلى شيخه في الطريقة كلهم يقربه ويـُحلّه بمحل الولد ، وذلك علامة انتفاع التلميذ بسر شيخه ووصول مدده إليه واتخاد معانيهما كالناقة التي ترءم فصيل غيرها لا يتم التألف بينهما حتى يشبع من لبنها وتجد فيه ريحه فتقبل عليه ويُقبل عليها لما حدث بينهما من شبه البعضية ، فمن محبة شيخه في التفسير له ما حدثني عنه أنه قال له حين أراد أن يأخذ عنه التفسير وكان شيخه يحرضه على الأخذ عنه قبل فوات ذلك حتى قال له التلميذ حرصي على ذلك أشد من حرص أحد عليه فألتفت إليه شيخه بصورة الإنكار وقال له أتظن أن محبتك لنفسك أشد من محبتي لك أنا أشد منك محبة لأهل بيتك وكان أهل بيته هم أخوال شيخه ذاك وأشياخه ، وكان من أبر الناس بهم وأنصحهم لهم وأحسن اعتقادا فيهم ، ثم قال له لوكان ما معي من العلوم قميصا لنزعته عني وكسوتك إياه أنت وابن عمك محمود بن محمد الصالح ، ثم طلبت لابني يوسف وابن ابنتي محمد بن البكاي ملبوسا آخر . أو كما قال .
وأما شيخه في الطريقة فهو أشد أشياخه إقبلا عليه وحرصا على مجالسته ومؤانسته وإظهارا لتعظيمه وبره وأكثرهم ثناء عليه ومدته معه أطول من مدته مع كل ممن تقدمه لأن مدة صحبته له زملازمته إياه وتقيده به زادت على عشرين سنة ، ومن ثنائه عليه أنه قال كل المريدين آمرهم وأنهاهم إلا سعد الدين والسّدادَ فإني أكِلهما إلى كتبهما . ومنه أنه كان يفسر قصيدته التي منها :
يا أولي الفضل والديانة دلوا
أهل عصركم لنيل انتفاع


فسمى جماعة من مريديه منهم المترجَم ، وقال : وأمثالهم هم أولوا الفضل والديانة . ومنه أن أمه أرسلت إلى الشيخ تطلب منه الدعاء بالنجاة من النار فأجابها بأن قال : " من كان سعد الدين جزءا منه لا يخشى عليه من النار " . ومنه ما حدثني به الثقة الملازم لهما وهو الشيخ حَمَّدَ بن محمد أنه قال : " سعد الدين لأخشى عليه الضلال " . ومنه أنه قال : فيه " رأس المريدين الصادقين " . ومن تقريب شيخه له واختصاصه إياه بخصوصية ليست لكثير من الخواص أن شيخه مرض في العام الذي قبل عام وفاته مرضا شديدا اعتزل فيه الناس واحتجب عنهم فلا يجتريء أحد من الجيران بعد ذلك على زيارته وفي تلك المدة وفد الشيخ سعد الدين وابن أخته الشيخ حَمّد ابن محمد على حي الشيخ الأكبر فوجد الناس منكفين عن زيارته ومواصلته فتأدبا مع المتأدبين فلما سمع الشيخ بقومهما أرسل إليهما أن إئتيا إليّ ، فإني في غاية الاشتياق إليكما ولستما ممن يحجب فذهبا إليه والناس ينظرون إليهما ويتمنون لو وجدوا مثل ما وجدوا ، ولا يجتريء أحد على أن يتبعهما ، وثناء الشيخ عليه بالصدق والبر والوفاء لا ينحصر.
ومن أخلاقه حسن الجوار قل من جاوره ثم فارقه إلا ذكر أنه لم يجاور مثله في حسن الجوار كانت حرمة جاره عنده أعظم من حرمته ، وسدّ خلته أحب إليه من سد خلته ، يواسيه بما له يزهد في ماله ، يسعى في حوائجه ولا يرفع إيه حاجة ، وإذا كان له مال مع ماله سوّى بينهما في الرعاية والإصلاح ، ويتفقد أحوال جيرانه ويسأل عمن يعنته الرحيل لمرض أو فقد مال وغير ذلك فيتوقف عن الرحيل حتى تزول الأعذار ثم إذا شرعوا في الارتحال سأل عمن ليس معه من المراكب ما يحمل أثقاله فيعينه ، وربما خدم بينفسه في حمل أثقال الجيران على المراكب ويذكر أن ذلك من سيرة أسلافه ، فإذا وصل إلى المنزل المتجدد بادر على حط الأثقال عن جميع المراكب وسأل عما بقي من الأمتعة وتفقد أحوال الجميع ، ولا يزال كذلك حتى يتلاحق إليه جميع أصحابه ويخبره كل منهم أن كل ما يهتم به من المال والمتاع وصل كما يرضى .
ومنها حسن المرافقة في السفر إذا كان في سفر فهو المتولى لحمل الأزواد لهم والقيام بمؤنهم وحفظ مراكبهم والرفق بها ويجبرهم على السرى إذا كان الطريق لا ماء فيه ويخشى العطش على أصحابه إذا أصبحوا في معرسهم ويجبرهم على النزول في المكان الذي يصلح لرعي الدواب ، وإن كان لا قوت فيه ، كل ذلك لرعاية حق الدواب فما ظنك برعاية أربابها ، ومنها حسن التربية فقلّ أن ينشأ شاب في تربيته إلا في صورة الكهول والشيوخ وفي عقولهم ، لأنه لا يحتقر الصغار فيحدثهم بما تحتمله عقولهم من العلوم ويلقنهم كثيرا من السنن والفضائل في أيام الطفولة كما يلقنهم سوَر القرآن ويأخذهم بالمحافظة عليها كما يأخذهم بالمحافظة على الفرائض ، ويربيهم بعد البلوغ من الأخلاق الصوفية بما أجمع عليه كالإعراض عن اللغو والصمت وكثرة الذكر الحذر من العجب والرياء والسمعة والجد في الطلب والعزم وتجريد الهمة والإحسان إلى المسيء وغض البصر عن المحارم ولكف عن الشبهات والقناعة والثقة بالله والتوكل عليه وحسن التواضع مع التباعد عن الضغة والتعزز بالدين مع البعد عن الترفع والشفقة بجيمع الخلق وتوقير الكبير ورحمة الصغير ويرغبهم في التمسك بالسنة ويبغض إليهم البدع وأهلها ويزين لهم الشجاعة والكرم وخصال الحرية ويكره إليهم الجبن الضعف والطمع والتواني والكسل وكثيرا ما يقول الجد بالجد والحرمان بالكسل ، فانصب تصب ، عن قريب غاية الأمل ، وربما أنشدنا معشر التلاميذ قول القائل :
تزوجت البطالة بالتواني
فأولدها غلاما مع غلامه

فأما الابن سماه بجهل
وأما البنت سماها ندامه


ولا يزال يترقى بهم من حالة إلى أعلى منها بحسب أفهامهم إلى أن يصلوا إلى حد الكهولة وهم على ما يرضى من الأخلاق والأوصاف ، وكان من الزهاد والمتوكلين الذين لا يدخرون للغد ولكن لا يرضى لعياله أن لا يكون شيء من المال بأيدهم ويذكر لهم أن من دعاء السلف قولهم : اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا . وينهض أهله في الكسب والقيام بمؤن الناس وحفظ المال ورعايته ، وحسن تدبيره ، وإذا أصبح أهله في منزل لا مرعى فيه ولا قدرة لهم على التحول أمرهم بإرسال المواشي إلى ما يصلحها ، ومنعهم من إمساكها في الجدب لأجل الانتفاع بها وربما قال لي في أيام شبابي : لا تنظر إلى ما كنت عليه الآن من عدم الرعاية والقيام بالماشية فإني لست عليه حين كنت في سنك بل كنت أرعى وأخدم وأسعى في كل ما يصلح عيالي وعيال إخواني وجيراني ، فكن كذلك واجتهد في أصلاح ما قدرت عليه من أمور المسلمين ولا تكن على أحد كلا ، ولا يلتبس عليك التوكل بالاتكال ولا الزهد بالكسل ، ولا الرشد بالشخ ، ولا الجود بالتبذير . وبهذا كان يربينا معشر تلامذته وقرابته ، وقد كان معي في وصاياه جماعة من أولاد إخوته وأخواته وتلامذته ، وبعض التلامذة ليسوا من أهل قرابته ولكن لا يألوهم نصحا ، ولا يفضلني عليه بشيء من النصيحة وكنت في صغري إذا أردت أن أخدم في شيء من الحوائج منعني من ذلك وقال : لي لا أحتاج إلى خدتك ولا إعانتك ولا أريد منك إلا التعلم ولا يأمرني في ذلك الوقت إلا بالتعلم والتعليهم من دون من الطلبة ، فلما ناهزت الشباب وعلم أني وجدت في التعلم لذة لا أغرض عنه بعدها انتقل بي من ذلك الوادي إلى الحض على حفظ المال ورعايته وتدبيره ، وربما قال لي أترك القراءة وانظر في أمر المال فقد قيل : لا قراءة لمن لا حمار له .فلما تمرنت على الجمع بين القراءة والرعاية انتقل بي إلى الأمر بالقيام بحوائج الجيران والإخوان ، ثم أقامني في خدمة الأضياف والوافدين وكان كثير الضيوف ومن المبالغين في إكرامهم والترحيب بهم وعشت معه أربعة أعوام لا يريحني من الجمع بين التعلم والتعليم وحفظ المال ورعايته والقيام بما يقوم به من المؤن وخدمة الضيوف وتهذيب الأخلاق وغير ذلك من أنواع البر وعلى ذلك فارقته . وأشهد لقد أدى ما لي عليه من الحقوق ، وأدعو الله أن يجازيه عني حسن الجزاء . ومن حسن تربيته : أنه لا يقص علينا من الأمور الماضية إلا ما يزيدنا من محبة الناس وبرهم وحسن النصيحة لهم وأما ما يهيّج منا الحقد فلا يخبرنا منه بادني كلمة وقد وصف محمود بن محمد الصالح أهل بيته جميعا بأن ذلك سيرتهم فقال فيهم :
حيث السرائر لا تذاع لناشيء
أن لا يرى ذا الضغن بعد تكهل


ومن أخلاقه الت يربنا فها حسن الملكة فكان يكرنا كثيرا بقوله تعالى في آية الأمر بالإحسان إلى الوالدين والأقارب والجيران وغيرهم { وما ملكت أيمانكم } وبقوله صلى الله عليه وسلم ( إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فأطعموهم مما تطعمون وأكسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون ) وما في ذلك المعنى . ومن أخلاقه الرقة وكثرة البكاء عند سماع الموعظة ولا سيما عند ذكر شيء من أخبار أخبار علماء السوء قلما تمر عليه آية بلعام بن باعوراء إلا بكى حتى يرحمه الحاضرون . والحاصل أنه متقيد فيما نراه بالسنة في مركبه وملبسه ومدخله ومخرجه ومعاملته كلها ، وتفصيل ذلك يدعو إلى الطويل الممل ، فمن أجل ملازمته للسنة وتمسكه بها أكرم بشهادة أهل الصلاح له أنه هو السني وأى بعضهم النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال له إن سعد الدين هو ابني الذي لا يعقني . وربما رأي بعض الصالحين النبي صلى الله عليه وسلم في صورته لشدة متابعته في الأقوال والأحوال .
وأما الرحلة إلى الخارج في طلب العلم فلم يخرج لها بعد الكبر وقد خرج في آخر عمره إلى أداء الحج فصدته الحكومة الإنجليزية في أرض أجْنيْن من بلاد السودان فرجع أنشد أبياتا يسلي فيها نفسه ويذكر من رضاه بالقضاء حلوه ومره وذكر فها أن أجر نيته وتعبه في الطريق لا يضيع وأول تلك الأبيات :
إلهي إن نمنع بلوغ البنية
فلا نمنعن أجر تلك البلية

ووفر لنا أجور نياتنا فقد
نوينا وما الأعمال إلا بنية


إلى أن قال :
إلهاي ذنوبنا التي رجعت بنا اغـ
ـفرن واعف عن خفية وجلية

وأخلف لنا مت تلك خيرا فإنك الحـ
ـحكيم وأنت ذو الهبات السنية

عسى أن يكون ما كرهنا من الذي
نحب لنا خيرا بحسنى المشية

على أنني راض بما قد قسمت لي
فلا يأتني إلا كذاك منيتي


ثم دعا في آخرها بأن يرزقه الله العودة إلى مكة فمات قبل أن يعود إليها ، ولكني أرجو أن يكون دعاؤه مستجابا لأني رزقت ببركة دعائه حجا وزيارة ، ثم حججت عنه وزرت ودعوت له وأعطيته ثواب حجي وزيارتي وجزيت بذلك ما يقابله من إحساناته إلي وأسأل الله أن يجزيه عني بأحسن الجزاء .
وله قصائد كثيرة تتضمن رضاه بقضاء الله وأغلب ذلك في المراثي ، ومن ذلك قوله في مرثية صديقه أتُوتَا بن محمد الأمين :
الله أكبر فرد ما له ثان
كَلا . وما عن مراده له ثان

بل إنه كل ما يوم كما نطقت
نصابه ، آية الرحمن في شان

كما تبوح التي من قبل تلك بأن
الله جل ، البقاء والسوى فان

فحقنا بالقضا الرضى ونصبر إذ
كل بقبضته سبحانه . عان

وكلنا جاهل ما فيه مصلحة
والله يعلم ، فلنفزع لإذعان

وفي الرضى راحة لنا هنا وغدا
أجر عظيم وذاك فيه ربحان

كما يفوت عظيم الأجر من جزع
مع الغناء وذاك فيه بخسان


مر إلى أن قال :
رب أكفه أمرا خراه كما هو في
أمور دنياي ساع غير منان

يا رب يا رب يا رباه ربي يا
ربي استجب وامح أوزاء وأدراني


وقصائده في هذا الباب كثيرة . ووفاته في الثالث عشر من جمادي الأولى عام ألف وثلاث مائة وإحدى وسبعين 1371هـ(2) .


 
 توقيع : الدغوغي

ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
سبحان الله
والحمد لله
ولا إله إلا الله
والله أكبر


رد مع اقتباس