مآثره:
· كان من أوائل أعياننا الخيرة، الذين أدركتهم، ممن ذاع صيته بين من له صلة به، قرابة كانت أو غيرها، حتى أصبح لقبه: بست، في البلاد بين من له صله به لقبا كأحد ألقاب الأعيان المشاهير البررة بمعارفهم، كما اشتهرت كنيته: أبو عاصم، بمثل ذلك لما تحمله من معاني الفضل في داخل بلاد الحرمين، وخارجها في محيط معارفه...
· ومما يذكر فيشكر، مكانته الاجتماعية أن جعلته همزة وصل لمعارفه، حتى أصبح رمز بريده وهاتفه في تلك الفترة التي قل وجود مثل هاتين الوسيلتين لكل واحد من بني أفقه، هما الوسيلتان في سبيل التواصل في الداخل والخارج لمن له صله به في كثير من القبائل محيط أفقه...
· وأما إذا جئته في منزله أحيى في نفسك معنى قول الشاعر:
نحن الضيوف وأنت رب المنزل.
من الأنس، والبشاشة، وكرم الضيافة، والمحادثة الأخوية الكريمة...
فإن كنت من أهل العلم، يحاول جاهدا أن لا يبخل عليك بما عنده من المعارف في ذلك، ولا سيما كتاب التاريخ، والأدباء، بل والدعاة إلى الله تعالى، فيما يتعلق بالتمسك والكتاب والسنة على نهج السلف الصالح الرضي...
كلا يمده بتخصصه ـ حسب ما لديه من المعرفة ـ إضافة إلى تزويدك بأسماء المصادر، بل وبالمصادر نفسها إن كانت لديه نسخ في الوقت نفسه...
كما يقل أن يمدك بمصدر من عنده إلا وتجد فيه تعليقات له ـ حسب ما يستظرفه ـ ولقد شكرت له ذلك خاصة في المصادر ذات العلاقة بالدعوة إلى الله تعالى...
ولقد مدني بشيء من ذلك، منها كتب التصوف، عامتها عليها تعاليق له موفقة، وقد أعلم على كثير من مواضعها لتوقف القارئ الكريم على تلك الموضوعات الهامة...
· هذا جانب، وجانب آخر، هو ما يتعلق بإعارة كتبه لمعارفه من طلاب العلم، وجانب ما يتعلق بالإهداء لهم، وجانب ما يتعلق بتصوير ما لديه من الآثار من تاريخ وغيره لهم...
ولقد بلغ في ذلك مبلغا كبيرا لم أر من بلغه، خاصة أنه هو الذي يقوم في كثير من الأحايين بتصوير كل ما لديه، مما يراه يهم تخصصك فيمدك به كهدية، ويدفع ثمن تلك المصورات، مهما كلفته...
بل ويفعل الشيء الكثير من ذلك في موسم الحج عند ما يرى بعض أهل العلم من أهل أفقنا على مختلف قبائلهم من السوقيين وغيرهم من أهل العلم.
أما من كان في بلاد الحرمين من طلاب العلم من أهل أفقنا، فقد قام بجهد كبير جدا تجاه حثهم على القيام بواجبهم، من جمع التراث لقبائل السوقيين وغيرهم ونشره، خاصة في مجال التاريخ...
ولقد بلغ في ذلك الغاية القصوى في حثهم بذلك، ومدهم بما عنده من ذلك، ما جعل الكثير يفر من ملاقاته، لكثرة متابعته للجديد بدورهم، مما هو من واجبهم، وكثرة إلحاحه عليهم بالكتابة ـ حسب تخصصاتهم، ولا سيما التاريخ، بعد أن مدهم بالغالي والنفيس مما عنده في ذلك...
بل ومن العجيب النادر لدى الكثيرين أن مدني بقطعتين كبيرتين من نسخ الجرائد التي تناولت الثورة الطارقية 1990ميلادية.
وكاد أن لا يفوته شيء مما نشر عن الثورة الطارقية في تلك الفترة.
وكل ذلك في سبيل اهتمامه بتاريخ أمة أفقه في القديم والحديث، وتلك النسخ من الجرائد التي تفضل علي بمصورات منها عندي الآن وغيرها، ولمادتها وقت الفراغ لها ـ بإذن من بيده ملكوت كل شيء.
وما أعارني من الكتب التي ناولت تاريخ أمة أهل أفقنا فالشيء الكثير، بل ولقد استقبلني بعد مجيئي من تنغاكلي مباشرة، وما أدري ما التاريخ، فضلا أن يكون لي إلمام به، لقلة بضاعتي العلمية في المعارف عموما وخصوصا التاريخ، فكان لي مثلا حيا لمن قال:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى***فصادف قلبا خاليا فتمكنا
ومن الأدلة على ذلك أن زمن الثورة الطارقية السابقة التاريخ كنت في تنغاكلي، ولكن بعد قدومي منها إلى بلاد الحرمين حنكني بالكتابة في التاريخ التي منه ما بدأني به في تلك الفترة أيضا من إهداء نسخة مصورة من تعليقات الشيخ إكات الإدريسي السوقي المرسي، وكان من العلماء المعلقين على كتبهم بفوائد متنوعة، وطلب مني صاحب هذه السيرة أن أعلق على تعليقات الشيخ إكات ـ رحمهما الله تعالى ـ وأنا وقتئذ ليس لدي من المعرفة سوى ما يتعلق بالقواعد.
لذا فلا أنكر معروفه علي، بل لو قلت لصدقت في أنني من صناعته ـ بعد مشيئة الله النافذة ـ في حب التاريخ والاهتمام به، والكتابة فيه ـ فجزاه الله عني كل خير.
هذا وليس من التاريخ في شيء أن يلغي أحد في كتابة تاريخ نسفه فضائل غيره، خاصة فيما له تعلق به بالضرورة، فالأمر كما قال الشاعر:
فاخدع الأحياء إن شئت فلن***تخدع التاريخ في المنخدعين
فإن لم يكشف اللثام ـ في وقت من الأوقات ـ عن تلك الفضائل المحذوفة مبالغة في إخفائها، فلن تعدم ـ بإذن الله تعالى ـ من يبرزها بالقلم البار للعيان، ككنز مسروق ثمين الدرر الحسان، لأن كتاب التاريخ منهم من ليس بينه وبين الحق عداوة...
بل من العدل والإنصاف ـ وإن كان عزيزا ـ أن تذكر لأهل الفضل فضلهم، كما قال حسان:
واذكر أبا بكر بما فعلا.
فحقا ما قيل: لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذووه ـ فرضي الله عنك يا حسان ورضي عن أبي بكر الصديق، وعن سائر الصحابة أجمعين.
ومهما يكن من أمر من لم يبر بذكر الفضل لأهله في تاريخه، بل ولو مر على ذكر ذلك الفضل على استحياء، بطرف خفي مما لا يستقيم لنقله إلا به، فإن من يفعل ذلك الصنيع، يوعظ بقول من قال:
ومهما تكن عند امرء من خليقة***ولو خالها تخفى على الناس تعلم
فالتاريخ هو نشر مالك من محاسن وفضل، إن شرعت في ذكرها، ونشر ما لغيرك إن تعلقت بها سواء بسواء، بل إن كانت محاسن غيرك لها صدر الصلة في الموضوع نفسه على محاسنك لتعلقها بها تقدم في الذكر غيرك أداء للأمانة العلمية التاريخية، لقول من قال:
والابتداء بالأهم ملتزم
هذا ومما يذكر فيشكر لصاحب هذه السيرة نقلا وعقلا، أنني زرته في فترتين متباعدتين حسب ما بينهما من الزمان، فطلبت منه تصوير نسخة رأيتها عنده من تاريخ المنطقة، قال لي: إن مؤلف النسخة طلب مني أن لا أصورها لأحد، فعاهدته على ذلك.
فاعتذر لي بذلك، فأعذرته بعد إلحاح مني قابله بالاعتذار السابق الذكر، وكذلك صنع معي في الفترة الثانية، حينما رأيت عنده نسخة أخرى لمؤلف آخر من أهل أفقنا، فاعتذر لي بعد طلبي بمثل اعتذاره السابق ـ اللهم أكرم مثواه واجعل قبره روضة من رياض الجنة.
هذا في غير مثل المثالين السابقين فإنه قد تجاوز الحد في تصوير النسخ لمعارفه، وإهدائها لهم، لخواص معارفه، بل ولعمومهم في الجامعات، والنوادي الأدبية، بل والقنوات والجرائد والمجلات، ولما جاء عصر الجوال استعمله في الرسالة التاريخية نفسها...
هذا ولما جاء عصر الانترنت، خاصة بعد أن أنشئ موقع: منتديات مدينة السوق، قام بإيصال الرسالة نفسها إلى إدارة المنتدى بل ورواده في أهمية نشر تاريخ أفقنا المنظوم والمنثور.
ولقد كفاني ذكر شيء من ذلك أثر قلمه المأثور في موقع منتديات مدينة من يوم بدأ في الكتابة فيه إلى يوم غيابه عنه بسبب ما لازمه من أمراض حتى أتاه أجله ـ رحمه الله رحمة واسعة...
· هذا أمر، وأمر آخر: ما قام به من الدور الكبير في مد يد العون لقومه من قرابة ومن في معناهم، من بذل ما في يده لهم، والقيام بدور الشفاعة لهم خاصة فيما يتعلق بالدوائر الحكومية، والمستشفيات تجاه المرضى من قومه...
وقد حقق الله في يده الشيء الكثير في ذلك، وهو في ذلك سيحيى صنيعه لدى من له علم بذلك معنى قول الشاعر:
وما كان قيس هلكه هلك واحد***ولكنه بنيان قوم تهدما