التمهيد:
إني رأيت وقوف الماء يفسده**إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب
ذلك حق يقال، فقيل: إن من همه أن يطلع على مظان تاريخ الأمم المدفون، لتلهج ألسنة الأجيال بالذكر الجميل الطيب جني ثماره اليانعة الغصون، فلا سبيل له إلى تلك المنقبة العزيزة الجهور المصوت، إلاّ بعد أن تتكحل منه بغبار الرحلات العيون.
خليفة الخضر في الفلك المشحون الجواري، أو ذي القرنين العجيب سد صدفي البراري..
من معشر سنت لهم آباؤهم**ولكل قوم سنة وإمامها
فكل من رام الوقوف على مواطن سجلات التاريخ
يتوحش حسب ما يمر به من صور الحيوانات الوحشيات، كما يأنس الوحشي بالإنس إن آلفه به الغدو والعشيات.
لقرب الدار في الإقتار خير**من العيش الموسع في اغتراب
تارة يخاف إن أفزعه كل ذي ناب ضار، وأخرى يمعن النظر في مختلف هوام الأرض الصغار، ومرة يلهو بتراجع صوت مكاء دواب الفيافي والقفار.
لا تجزعن من سنة أنت سرتها**فأول راض سنة من يسيرها
فالمؤرخ المحمود الشمائل الجليل من اتصف في جمع المادة التاريخية منها: تقوى الله عز وجل في السر والعلن، وجمع الأخبار بنقل صريح، وفهم صحيح، وأن يلزم ظهر السفر كابن السبيل، وإن من عليه بصاحبة الصاحب الخريت من الأخيار، يتبادلون الجمل الإخبارية الحكيمة المحكمة بإمتاع الجوار.
فهو حسنة من حسنات الدنيا إلاّ أنها أمر ليس من السهل الممتنع، بل من الصعب بمكان فاقتنع.
إلاّ أنه قد يجود الزمان البخيل به، مع ندرته خاصة إذا كان متصفا بوصف السيد النجيب النبيه.
إن لم تجده وعزمت فتوكل على من: يراك حين تقوم...
الأسد لولا فراق الغاب ما قنصت**والسهم لولا فراق القوس لم يصب
وإن وجدت ذلك الصاحب العزيز المزعوم...
تنقل فلذات الهوى في التنقل**ورد كل صاف ولا تقف عند منهل
فكيف بالتنقل بين المواطن العلمية ـ قبائل آل السوق، أئمة التفسير والحديث واللغة والفقه أرباب الفهوم النيرات البروق.
ما عاين الناس من فضل كفضلهم**ولا رأوا مثلهم في سالف السنن
قوم شرفهم الله بميراث الأنبيا، فارتقوا إلى ذرى شرفه المراقي العليا.
يقول البرتلي الولاتي في ترجمة أحدهم: سيدي محمد الأمين بن الطالب سيدي أحمد بن البشير بمحمد السوقي..
اجتمعت فيه خطط: عالما، علامة، كلاميا، محدثا، فقيها، نحويا..
متقنا للقراءات السبع..
كان يبعث إليه بالمشكلات، ويستند إليه بالمعضلات، ويرح إليه من الأقطار للتعلم..فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور. 149
قلت: هذه إشارة لطيفة فيما يتمتع جانب علماء آل السوق، من مناقب جليلة، ومآثر عزيزة جميلة.
ولقد كان من البلوى المعضلة، أن ذهب آلاف أعلام العلماء من السوقيين دهرا دهرا دون الترجمة لهم، ولو على نحو إشارات: فتح الشكور..
الكافية في تقدم آل سوق العلم الكبير في حلل من سندس المقامات العلمية والفضلية في قديم العصور.
فلما يتمت بموت سير من مضى قلبنا، جرني الندم على ذلك إلى عض البنان عنها، بالحث عما أمكن من نفح طيب من أدركنا معاصريهم لعلنا نتحف من بعدنا بالميسور، من نفح طيبهم المسكي الذكي المنشور.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين.
اللهم إياك نعبد وإياك نستعين ـ نعم المعين، اللهم أنت الصاحب في السفر، يا من يحفظ ابن السبيل متاعاًَ إلى حين احفظني بحفظك الجميل في رحلي وترحالي ـ اللهم آمين.
هذا وإني في رحلتي الميمونة برحلة تاريخية تختلف جهتها بجهة التي قبلها، رجاء جمع ما نعذر بجمعه، متقيداً في جمعه ـ بإذن الله ـ بشروط، منها: إسناد النقل إلى المنقول عنه، على نحو ما حكاه البرتلي الولاتي عن أحد سلفنا السوقين من أنف ذكره، قال البرتلي عنه ـ رحمهما الله:
وكان صدوق اللهجة من صغره بالتواتر..
روي أنه زار الفقيه العلامة القاضي سنبير بن القاضي سيدي الوافي مع بعض الأعيان، فقال له العلامة سنبير: من أنا؟ فقال له: قال لي فلان أنت سنبير.
فعجب الحاضرون من صدقه، وإسناده للأخبار.
ص150
فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور.
فبإذن الله تعالى سيند للأجيال ما أنقله من الأخبار المختارة، بشرط اعتماد الرضاة المرضيين ممن أنقل عنهم أخبار قبائلهم، خاصة قبائل آل السوق.
وآل السوق وإن عدت قبائلهم**فإنها دون شك يثربيات