نبذة عن الأدب السوقي
[/img]نبذة عن الأدب السوقي:
بالرغم من أننا لا نقدر على أن نمنح شعر السوقيين وحركتهم الأدبية نصيبا فوق حجمهما الحقيقي أو أكثر من مستواه الفكري والنضالي الذي يعطيه هذا الشعر نفسه أونعطي الشاعر مركبات أخرى لم تدر في خلده وفكره أصلا فإننا سوف نحاول إلقاء مزيد من الضوء في هذه المقدمة التعريفية بالحركة الأدبية السوقية على الأمور التالية: 1- مظاهر اهتمام السوقيين بالأدب العربي في الصحراء الطارقية. 2- الإنتاج الأدبي وثماره الشعرية والنثرية. 3- إشعاعات الحركة الأدبية السوقية وأثرها في تحريك الاهتمام باللغة العربية والأدب والشعر في المناطق (غاوا – منكا- تن بكتو- كيدال جمهورية مالي. إن مما لاشك فيه أن شمال صحراء (مالي) و(النيجر) و(بركينا فاسوا )كانت ضمن الأماكن التي حل فيها الأدب العربي عبر سياحته في العالم الإسلامي وانتقل من ضيف إلى مواطن مع درجة الشرف الأولى فسير على ظهرها قوافل الفصحى, ومواكب اللغى, ونشر فيها سرايا الشعر العربي تبث شآبيب العلم, وتجر جلابيب المعرفة بواسطة المدارس والمعاهد, التي أقامها السوقيون وغيرهم فوق أديم هذه الصحراء و كانت هذه المدارس ولا زالت سندا قويا للعلوم العربية وجوا عربيـا صحراويا, أمسك على العربية بيد, والدعوة والتعليم باليد الأخرى وكان تعلقهم بالشعر والأدب لا يدانيه إلا تعلق جميل ببثينة حين قال. تعلَّقُ رُوحي روحَها قبلَ خلقِنا - - -ومِنْ بعدِ ما كنَّا نِطافاً وفي المهدِ فزادَ كمَا زِدنا فأصبحَ نامِيا---وليسَ إذا مُتنا بمُنتقضِ العهـدِ الإطار المكاني للمدارس السوقية. على امتداد الضفتين الشرقية والغربية لنهر النيجر وصحراء (أزواد) من (كيدال ) إلى قيعان (أروان) في شمال إقليم المعلمة التاريخية (تن بكتو) مرورا بالعاصمة الإقليمية (غاوا) إلى الشمال الغربي (لنيامي) عاصمة جمهورية النيجر جنوبا, إلى العمق داخل أراضي جمهورية (بركينا فاسو) جنوبا أيضا تمتد مضارب قبائل السوقيين, وكانت هذه الرقعة منازل توزعهم الجغرافي هم ومن جاورهم من قبائل الطوارق والفلان والسنغاي, يتجولون مابين ضفتي نيل النيجر شتاء وصيفا ويتنقلون في الربيع بين سفوح الصحراء وسهولها ووديانها ويجولون بين تلك الأدواح والجنان حين يحلو صفير البلابل , وخرير الماء, حين تكون الصحراء عروسا مختالة في حلل الأزهار، متوجه بأكاليل الأشجار، موشحة بمناطق الأنهار عندما يرقص الغمام في الفضاء الرحب , وتبدو الشمس خلفه صفراء عاصبة الجبين, فترى القوم في تلك التخوم قبيل أن يطوي الليل وشاحه، و يمتشق البدر بريقه,حين تتحرك أنسام العشي معطرة بشذا ورود أزهارها الشذية فكأن لسان حالهم يهتف ويقول: لوْلاَكُمُ يَا أَهْلَ ذَاكَ الحِمَى ... --- ماراح قلبي موثقا بالجراح ... أَسَرْتُمُ القَلْبَ فَيَكْفِيكُمُ ... --- لاَتَقْتُلُونِى قَدْ رَميْتُ السِّلاحَ نعم لورأيتهم حين يتحلقون للسمر ويرتشفون معتق الشاهي الأخضر على مقربة من إحدى رياض الصحراء الغناء التي (قد رق أديمها، ونمى خصيب رطيبها، وراق نسيمها، ونمَّ طيبها، وغنّى عندليبها، وتحركت عيدانها، وتمايلت أغصانها، وتنمقت أزهارها، ، وتسلسلت جداولها، وتبلبلت بلابلها وعزفت الرمال أحلى انغامها) لرأيت مايجلب الأنس ويفتح النفس أورأيتهم بحللهم المصبغة بجميع ألوان الصحراء في فناء الخيام المشرعة الأبواب والتي يجول خلالها أذواد من الإبل يرد لقاحها إلى حقاقها فحل ملأ بهديره السمع وبجماله البصر يفيء إليها شباب السوقيين بهدوء وشوق إلى استماع شيء من الشعر العربي يتناوبون نشيده بنغماتهم الجميلة,حينا في المديح النبوي ,وتارة في شعرالتنبي والبحتري, وآونة في المعلقات العشر وغيرها من روائع الشعربي العربي. ولعمري كم أ جروا في أسمارهم تلك حديث الشِّعر وصِفاتِه، وتولُّجِوا في تلك الليالي القمراء أبوابه وقَدحوا صَفاته, وسيروا فرسان الأفكار في ميدان هذا المضمار، ذلك هو ديدنهم وهجيراهم, وتلك هي ثروتهم وهذه هي أملاكهم يتقاسمون غلتها, حتى صار القريض بالنسبة لهم غنى وطول , بل مال يزكى حين يبلغ النصاب ويحول عليه الحول كما قال شاعر السوقيين محمود بن محمد الصالح الإدريسي السوقي: أما القريض فإنه لي مال مالبلغ النصاب فحوله شوال تلك هي مجالسهم كم شكى شعرائهم البعد عنها وتألم عن فراقها كما قال شاعرهم محمد بن عثمان السوقي الأدرعي. ليتني لو تنفع الماسوف ليــت--- لم يلتني عن ذرى الأحباب ليت أودعوا قلبي لما ودعــــوا من صنوفات الهوى كيت وكيت إلى أن قال: رو في حالي كي تروى عـــن --- مسنـداتي أثــــرا فيما وعيــــــــــــــت عن سهادي عن هيامي عن ضنى --- عن جوى عن شغفي عن ذيت ذيت تلك حالي قد قضى البين بهــا --- فاقتضت أني لولا الـــروح ميـــت وحالهم أشبه بحال من وصفه المظفر بن الفضل في كتابه (نضرة الإغريض في نصرة القريض) حين قال: (وأسواق الفضائلِ لديه قائمةٌ على سوقها، وأيْنُقُ الفواضل من بين يديهِ تساقُ بوسوقِها، وغَلْوةُ خاطرِهِ لا تصل إليها غاياتُ الطّوق، وإذا قيسَ به سواهُ قيلَ: شبَّ عمروٌ عن الطّوْق، دارُه بأرَجِ الأدبِ دارِين، ومحلُه بحلولِ البركةِ قَمين). دارٌ تَسيلُ بها سُيولُ فضائلٍ ... --- وفواضِلٍ لمُسائلِ أو سائلِ فالعُذْرُ مقبوضٌ بها عن آمِلٍ ...--- والعلم مبسوط بها للجاهل |
بيئة الشاعر السوقي.
تعد البيئة عاملا مهما في دراسة الأوضاع النفسية للشاعر ولذلك فإننا بالرغم من عدم تعلق الموضوع بالبيئة تعلقا مباشرا فإننا سنتكلم بشكل مختصر عن تضاريس هذه المناطق التي تعد مضارب قبائل السوقيين ومناخها وطبيعة النشاط السكاني لأهلها فنقول: التضاريس. تتنوع تضاريس المناطق التي تتمزكز فيها القبائل السوقية شمال جمهورية مالي، بين أراضٍ منبسطة وسهول متموجة، تغطيها الرمال في الشمال غالبية هذه الأرض صحراوية تمتد فيها سهول تغطي أغلب مساحتها وتخللها قيعان رملية وواحات تمتد إلى الجنوبية وأكثرها قفار وفيها مياه أكثرها عذبة. المناخ. يعد مناخ الشمال الصحراوي لجمهورية مالي شبه مداري إلى جاف، بصفة عامة. فهو حار جاف، خلال الفترة من فبراير إلى يونيه؛ ومطير، رطب، معتدل، خلال الفترة من يونيه إلى نوفمبر؛ وبارد جاف، خلال الفترة من نوفمبر إلى فبراير. النشاط السكاني من المعلوم أن الأعم الأغلب في المجتمع الطارقي يكتفي بالجانب الرعوي عن الجانب الزراعي , والسوقيون يعيشون بينهم ويشملهم ما يشمل الطوارق في ذلك إضافة إلى أن مناطق تواجد السوقيين أغلبها مناطق رعوية وأشد اهتمامهم على تربية الماشية بأنواعها وينتجعون أخصب المناطق الرعوية في الصحراء والتي تعد كنزا للماشية في توفر النبتات الشوكية والأعشاب وغيرها. وهناك أسباب أخر أدت إلى عدم اهتمامهم بالزراعة كثيرة ومنها أن المجتمع وجد نفسه موزعا مابين أهل فلاحة وأهل رعي فيصعب عندهم تغيير هذا النمط . وأما مايخص النشاط التجاري فهو عندهم نشاط تكميلي لايقومون به إلا في حدود ضيقة ومواسم دورية معينة. |
مفهو م الشاعر السوقي.
ليس من السهل تحديد معالم شخصية الشاعر السوقي, فعندما نسمي الأشياء بأسمائها, ونحدد أكثر فإننا سوف تواجهنا حقيقة لامفر منها وهي أن الشاعر السوقي ليس شاعرا بالمعنى السطحي للكلمة فحسب , بل غالب شعراء السوقيين علماء شعراء وشعراء علماء, وقد انسحب هذا على شعرهم أيضا فهو عبارة عن كشكول ودائرة معارف أودعوا فيه الكثير من البحوث العلمية, والقضايا الجدلية والمباحث الفلسفية وغيرها من العلوم الأخرى بل هناك شبه إجماع على بعض الصفات التي يذكرونها في من يمدحون لاتكاد تخرج من هذا السياق قال العلامة الشيخ محمد الصالح بن القاضي محمد البشير الأنصاري السوقي المعروف (سله) لما مر على ديار قبيلة كل (تجلالت) السوقية: لمن طلل أبصرته فشجاني _____ كخط زبور في عسيب يمان ديار لقوم قدبنوها وشيدوا _____ بناها بدين دائم اللمعــــتان وبالفقه والتفسير والنحو واللغى _____ حديث ومنطق عروض بيان وإقراء ضيف ثم إقراء طالب _____ وإطراء سامع بغير تــــــــوان ونكتفي بهذا القدر منها لتعلق به أكثر. وقال الشيخ العلامة محمود بن محمد الصالح الإدريسي السوقي. منا بياني ونحوي وصـــر _____ في ومنا قارئ مفســــار ومفقه بالمنطق اتضحت له الـ _____ ـأقسام والأشكال والأسوار ومحدث عرف الحديث رواية _____ ودراية فعنت له آثــار ويقول الشيخ إغلس بن محمد بن اليماني الإدريسي السوقي في أبيات تدور في نفس الفلك وتخرج من ذات المشكاة وهي : وآل (سوق) وإن عدت قبائلهم _____ فإنها دون شـك ( يثربيـــات ) فحرفة السوق مذكانوا بذاسلفت _____ وليس يوجد طباخ وزيـــات مدرس لفنون العلم قاطبـــة _____ مشارك البعض للطلاب مشكاة يبدي لهم من خبايا العلم ماخفيت _____له المسالك نفيه وإثبـات ويرى بعضهم أن هناك حدا إذا وصله الشاعر فإنه سوف ينقطع إلى ربه ويترك مالايعنيه وهو حد الاربعين قال الشيخ أحمد بن موسى الأنصاري السوقي. دعيني يا أميم وودعيـــني _____ فسنى كابر عن ود عيـــن وشغلي شاغلي عن غير شغلي _____ وديني وازعي عن غير ديــن ومالي أن أجاري ذا بعيـــر _____ بعِيرىَ أو بغثىَ ذا ثميـــن وما ذا تبتغي الشعــراء مني _____ وقد جاوزت حد الأربعيـن وأحيانا يتحدثون عن تحرقهم لتجاوزهم حد الأربعين دون صدق التوبة والانقطاع إلى الباري سبحانه قال الشيخ محمد بن ونسطفن مخاطبا شيخه الشيخ حن بن أمتال الأنصاري السوقي. ليت شعري هل يستفيق مليم _____بعد تحلية العذار بشيب أو يرى بعد ستين عامــــــا _____قابل النصح والهدى من مرب |
1- مظاهر اهتمام السوقيين بالأدب العربي:
ليس الكلام عن الحركة الأدبية في المدارس السوقية بمعزل عن الكلام عن المناهج التعليمية, التـي سوف نتحدث عنها في وقت لاحق, بل هو فرع من ذاك الأصل والأدب لدى المدارس السوقية يتمتع بنصاب كبير من المواد التعليمية, وهذا ما جعل المكتبة الأدبية السوقية تحتفظ بموروث ضخم من الأثارة الأدبية التي لم تكن غائبة في فترة من فترات تأريخ هذه المدارس, وهي إذ لاتخلو منها فلا يعني ذلك كون الفترات السابقة تتمتع بالضرورة بنفس الحجم الذي بين أيدينا اليوم , أو مزدهرة في كل وقت وآن , بل لانستبعد وجود عوامل ركود وهبوط , تعرو بعض هـذه الفترات, وعلى الرغم من ذلك فإن الأدب والاهتمام به لم يزل يجري ويسيرفي عروق تلك الحركات بدون استثناء ويليق بالذكر هنا القول بأن المدارس السوقية اهتمت بالأدب وتدوينه اهتماما لايضارعه أي اهتمام , وتشربتــه نفوس روادها وقوادها وكاد يطغى على كل فن ويزاحم كل تخصص,وصار جزءا لايتجـزأ من علومهم وحياتهم , وتحول إلى كعبة يطوف بساحها الجميع قال أحد شعراء السوقيين محمد إغلس بن محمد الإدريسي السوقي في رده على من يلومه على ممارسة معاطات السجال الأدبي. ماذا على منتدب إذا انتدب ندبا ولوعا بلطائـــف الأدب همته فض خواتم النخــب كم فض عن مختومها ختما وصب وقطف اليــانع غضا والرطب وهصر الأملود منها واقتضـب وغربل المنقــول ملقى الريب مستصفيا نا صعه إبـان شـب ومــاله في تالد ولانشــب من عائـق مشـوش ولا أر ب بل راودته لمــا يثغررتــب وجذبتـه للمعالي فا نجـــذب ولم يزل مثافنا حين الطــلب قـدى النحارير فأثقل الغبــب وكم طوى أعشاءه على السغب وذاك مـن تدآبه على الطلــب وكم مداد قد ألاق وكتـب وكـم يراع شجه وكم قصـب إلى أن قال: غنوا بها لدى المقاهي والطرب وليلة العرس إذا ما الطبل طب فلا تستثنى من ذلك طبقـة من الطبقــات ولافرق في ذلك بين العلماء والزهاد و العباد وغيرهم, بل نجد عالما نحريرا يتفنن في إجادة صياغة الشعر, فيساعده خيال محلق وعاطفة مطواعة, فيسمح له خياله بأسلوب شعري عذب, تتقاصر دونه قدرات الشعراء المشاهير, والبلغــاء المصاقيع وتراه أحيانا لايعبأ ببعض الأغراض الشعرية التي لاتتقاطع مع الشعور الإسلامي لديه, فيخوض فــي وصف الثغر والطرف والجيد والقد, ودعج العينين, ويسترسل في مثل هذه الأوصاف المغرية, وهذا نفس حال الشباب الذين نراهم يرتعون في مريع الشعر العربي ويطبقون نفس الأسلوب, إلا أنني لم أطلع رغم البحث الشديد على من قال قصيدة غزلية في معين, ولا من شبب إلا باسم يختلقه خياله, خلاف الجاهليين, وبعض المولدين وحالهم أشبه بحال القائل: وَطَائِعَةِ الوِصَالِ عَفَفْتُ عَنْهَا ... ومَا الشَّيْطَانُ فيها بالمُطَــاعِ َدَتْ في اللَّيْلِ سَافِرةً فَبَاتَتْ ... دياجي اللَّيْلِ سَافِرَةَ القِنَــاعِ وَمَا مِنْ لَحْظَةٍ إلاَّ وفيها ... إلى فِتَنِ القُلُوبِ بِهَــا دَواعِ فَمَلَّكَتْ الهوى جمحات قلبي .. لأجْرِيَ في العَفَافِ على طِبَاعِي وَبِتُّ بِهَا مَبيتَ السَّقْبِ يَظْمَا ... فَيَمْنَعُهُ الكِعَامُ مِنَ الرِّضَــاعِ كَذَاكَ الرَّوْضُ مَا فيهِ لمِثْلِي ... سِوَى نَظَرٍ وشَمٍّ مِنْ مَتَــاعِ وَلَسْتُ مِنَ السَّوَائِمِ مُهْمَلاَتٍ ... فأَتَّخِذَ الرِّيّاضَ مِنْ المَرَاعِــي ولا يخفى أن المنابع الدينية التي يستقي منها الطالب في أول مراحل تعلـمه الأدب والشعر, هي التي فرضت هذا الجو على الشعراء السوقيين وأدبائهم, علمـا بأن الأدب بشقيه النثري والشعري ينشآن مع الطالب منذ الوهلة الأولى ويتغذى بهما فكره حتى يعوداجـزءا لا يتجزأ من تكوينه العلمي, ومن ثم تبقى رواسب ذلك معه إلى زمن الكهولة. وهناك أسباب غيرما سبق, ويمكن أن نستأنس بها أوتنضاف إلى ما تقدم نلخصها فيما يلي:- 1-بعض الأدباء والشعراء السوقيين يرون أن وراء هذه التعابير وتلك الأوصاف سبب خارجي, وهو محاكاة الجاهليين والمولدين في تلك الأوصاف لأنها تعد عند الأدباء معيارا ومحكا لروعة الشعر وقوته. 2-استعراض القوى الإبداعية والبيانية خاصة بالنسبة للشعراء السوقيين الذين غالب شعرهم محكوم ومصبوغ بالتحديات والمساجلات, والردود المضادة, فاقتضى الأمر تزويد القصيدة بشيء ما من العيار اللغوي الثقيل والذي يضفي عليهاطابع التحدي. 3-إحاطة القصيدة بهالة من القبول والاحترام لدى من يرى بدعية المقدمات الطللية, التي لم تطعم بالغزل والتحدث بالأوصاف المادية المغرية التي تحدث بها امرؤ القيس وغيره. وهناك نوع من الشعر أبدع فيه السوقيون وجمعوا فيه بين قوة الشعر, والبحث العلمي الرصين, ونسميه (بالشعر العلمي) , وسوف يمرعلينا ذكره والوقوف عنده , وإبداعهم فيـه يكمن في أنهم وظفوا القصيدة العربية, في أغراض علمية, وحاولوا الحفاظ مع ذلك على القواعد المقررة لجودة القصيد وقوته, من بديع وبيان, وغيرذلك. |
الاتصال المبكر بالشعر والادب.
وبالجملة فإن الحركة الأدبية في المدارس السوقية, تولي الأدب واللغة العربية اهتماما كبيـرا, ولذلك فإن المكتبة الأدبية واللغوية العربية بوجه عام حافلة بأكثر المراجع وأهم الكتب. وهذا يعكس مدى العافية التي يحظى بها الشعر السوقي, لأجل طبيعة الاتصال المبكر بالعلوم اللسانية والاعتناء بـها إلى حد الغلو وهذا ما صبغ إهاب شعرهم بصبغة عربية عتيقة فلم يتسنه إهابه , ولم تتغير ملامحه بعوامل البعد عن الوطن العربي, بل أوجد في تلك الواحات الإفريقية جوا عربيا بنته أخيلة الشعراء السوقيين وبقيت له خصائصه, التي ينبعث شذاها من جو الصحراء , فيأتي أحيانا متقمصا شخصية الإطـارالجاهلي الغليظ الذي يرى بعض أدبائهم وشعرائهم أن الخروج عن دولته, يعدردة أدبية لاتليق, وهجــرة فكرية لاتنبغي وأحيانـا أخر يرتـدي بزة شعـر المولـدين , ويعزف علـى أوتـار معانيهـم السلسـة الرقراقـة. |
مميزات الأدب السوقي:
يعد الطابع البدوي من ضمن المميزات والسمات التي كانت متأصلة في شعر السوقيين , ويبدو أكثر وضوحا في الطلليات, وقصائــد الفخر ولاشك أننا إذا نثرنا كنانة شعر أدبائنا وعجمنا عيدانه, فسوف نرى شعرا تتضوع منه أطياب البداوة, وينبعث منه نسيم الصحراء, فهو مليء بوصف الرياض الزاهرة, والحدائق والأنهار والأشجار, والماء والمطر, وما يتصل بذلك من نسيم الصحراء وهوائها, فنرى تناغما جميلا بين الصحراء والشاعر, حينما نجده وهو يترنم بشعوره في شعره واصفا بتفصيل كل شاذة وفاذة مر بها في طريقه, من أشجار وأنهار وبساتين, ثم يعرج على دمن الأحباب,فيجدها بلا قع من أهلها فلا أنيس ولاجليس ولاصديق ولارفيق, إلا بقايا أثاف, أوديار عواف, فينطلق ليواصل الرحلة ,في سبيل الوصول إلى الأحبة,غير مهمل كل ما مر عليه في رحلته تلك بأسلوب رشيق, قد أطنب فيه كثير من الشعراء, وتعد الطلليات مـن الأغراض الشعرية التي ذابت فيها شخصية الشاعر السوقي في شخصية الشاعر الجاهلي, كما سبقت الإشارة إليه, ولايدل ذلك على عدم ابتكارهم للمعاني الجميلة, فيما سواه مـن الأغراض كالمديح والفخر والرثاء, وغيرها ومن ضمن هذه المميزات أيضا. |
الحنين إلى الجزيرة العربية.
ومن الأشياء التقليدية لدى الجل من شعراء السوقيين ذكر الأماكن التي ترددت على شفاه الشعراء الجاهليين والتغني بها, بدلا مـن أماكن تواجدهم بل هي مسقط رؤوسهم, وكان ذلك خير دليل على عمق تعلق قلوبهم بوطن أجدادهم القدامى, إذ هم لا يتنازلون عن أصلهم العربي فالشعراء الذين اتناول شعرهم ينحدرون من أصل علوي بشقيه الإدريسي والأدرعي ومن أصول خزرجية وفهرية فحنينهم إلى بلاد العرب طبع لا تطبع يقول الشاعر الإدريسي السوقي محمد بن يوسف. جزعت تضارع واختطبن لعالعا وهبطن( بيشة) وانتجعن (الطائفا) فالأوطان العربية هي التي تذكر في أغلب أشعارهم حتى إن من وجد قصيدة أحدهم ربما لا يهتدي إلى الرقعة الأرضية التي تحتضن القائل. |
التغني بمضاربهم في شعرهم.
وقد نجد منهم مع ما تقدم من خلد مضارب قومه في شعره أمثال الأديب الشاعر محمد بن يوسف السابق ذكره, وقبله الشيخ محمود الإدريسي السوقي والشيخ إغلس بن محمد الإدريسي السوقي وغيرهم يقـول إغلس في قصيدة له لعل الهدف منها كما أسلفنا تخليد أماكن تجوال قبيلته: فلا أنسى الرواحل ذات يوم _____ غداة البين قيدت بالبرينا وشدت على هوادجها مروط _____ مرقشة لذي (أسد) حدينا وعاودت المصيف بها قديما _____ وفي المشتى الأجارع يرتعينا وقلن على (كرار) وكل قرم _____ شكى من شد أضلعه الوضينا ورحن بها وشدت في مسير _____ وما تشكو مناسمها الحزونا فصبحنا مسارح (همكيـــــر) _____ والقينا العصي بها قطينـــا و قال الشيخ محمود بن محمدالصالح الإدريسي السوقي: ألا قف بالديار ديار سات _____ ديار في (فسنفس) دارسات وكذلك الأديب الشاعرعبد الله بن المحمود حين قال: لمن طلل يلوح بـ(تارجابا)_____ أسائله ولكن ما أجابـــا يلوح به سنا برق وميض _____إذا مالاح يحتجب احتجابـا عهدت به زمانا كان صفوا _____ وقد أقضي به العجب العجابا به أدعو الصبا طورا وأدعى_____ فلم أبرح مجيبا أو مجـــابا وقال الشاعر محمد بن يوسف أيضا في قصيدة له في هذا المنحى ايضا: يادار هند بذات الطلح مهدومه _____ مجت أفاوقها من فوقها ديمــه فذي (الأران) إلى أعلام(ميم) إلى (غرام )فالرس من (انكور) مرهومه |
التميز الديني في المقدمات الغزلية.
استعمل الأدباء السوقيون الغزل معبرا في أغلب المناسبات الشعرية وليس هدفا لذاته, وكثيرا ما يعبرون عن ذلك في أشعارهم يقول الشيخ أحمد بن موسى الأنصاري السوقي . دعيني يا أميم وودعيـــني فسنى كابر عن ود عيـــن وشغلي شاغلي عن غير شغلي وديني وازعي عن غير ديــن ومالي أن أجاري ذا بعيـــر بعِيرىَ أو بغثىَ ذا ثميـــن وما ذا تبتغي الشعــراء مني وقد جاوزت حد الأربعيـن وقال الأديب المرتضى بن محمد الإدريسي السوقي. ياظبية كحلت لها الأجفان _____ وابيض منها الوجه والأسنان السحر كل السحر لا من بابل _____ بل ماحوت من وجهك العينان لولا اسوداد الحاجبين وفاحم _____ من فوق أبصر ضوئك العميان إن كان ذاالإعراض عني رغبة _____ عني وأنك همك الغلمـــان فلأنت في واد وفي واد أنا _____ فلتنطلق لسبيلها الغـــزلان يأبى التعرض للنسا سني وما _____ حدثت عمن همه النســوان |
المدح والأغراض التكسبية عند شعراء السوقيين.
حين تقرأ الشعر السوقي تجد المدح منه شبه خال من الأغراض التكسبية, ويعود ذلك إلى عدة أمور: 1- عدم وجود بلاطات عربية في الجزء التي يضمهم من الصحراء الكبــرى, والممالك التي قامت في بلاد (مالـي) بالرغم من أنها من أقوى الممالك الإفريقية تمسكا بالدين وتأثرا بالحضارة الإسلامية, واعتناء بالعلوم الإسلامية إلا أنها لم تتبن الأدب العربي بشكـل جدي كمـافعلت بالفقه والحديث والنحو وغيرها من العلوم الأخرى, وقد مرت علي من خلال بعض الكتب التاريخية, التي تناولت تأريخ مملكة (مالي) بعض النماذج الشعرية التي لم ترق إلى المستوى ا لأدبي الراقي, ولم نر من هذا الجانب أي مشاركـة للشعر السوقي سواء في المدح ولا غيره. 2- أن بعضهم يرى أن هذه العاطفة ينبغي أن تصرف إلى مديح المصطفى عليه الصلاة والسلام دون غيره من الناس. 3- أن الحي لا تومن عليه الفتنة , فإن كان ولابد من مدح فللميت ولذلك نجد عاطفة شعراء السوقيين في الرثاء أكثر صدقا. وبالجملة فإن المدح عند السوقيين ظل بعيدا عن الدوافع النفعية التكسبية, ولم يتكبد بأغلال التزلف للحكام استجداء لنفعهم, ولكنه في المقابل أدى دوره المنشود في المديح النبوي وكذلك ما يتعلق بالجانب البيني بين القبائل السوقية. |
الساعة الآن 03:08 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir